الرئيسية / صحافة ورأي / سيناريوهات سورية في واشنطن

سيناريوهات سورية في واشنطن

الكاتب : وليد فارس
وليد فارس ..  الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية

إذ يصل رئيس السلطة في سوريا أحمد الشرع إلى العاصمة واشنطن ويستقبله الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته، يحاول المراقبون والمحللون استشراف مرحلة ما بعد الزيارة ومفاعيلها على الصعد الأمنية والاقتصادية والمالية والدستورية والعلاقات الدولية، بما فيها العلاقة مع إسرائيل ومعاهدات السلام، وبخاصة تأثيرها في “معاهدة أبراهام”، أضف إلى ذلك تموقع الرئيس الشرع دولياً وتموقع الجولاني داخلياً، ومن هو المفاوض الحقيقي في واشنطن، وآخراً وليس أخيراً ما وراء الاهتمام الخاص لإدارة ترمب بالقوة الانتقالية في دمشق، أما أخيراً فهل السلطة القائمة في سوريا الآن فعلاً انتقالية؟

وكما كتبنا في السابق فإن انتقال السلطة من النظام السابق إلى السلطة الجديدة جاء سريعاً وحاسماً ولم يكن في وجهه أية مقاومة، وكان أقرب إلى انقلاب ميداني منه إلى ثورة عسكرية متعثرة كما في السودان، لذا فالتطورات السريعة في دمشق فرضت واقعاً جديداً خلال أربعة أيام، ولا سيما أن الساحل سقط من دون مقاومة، على رغم كونه كان معقلاً لنظام الأسد الذي تهاوى.

هذه الأحداث أدت إلى سيطرت الميليشيات التي كانت موجودة على الأرض ومدعومة إقليمياً مثل “هيئة تحرير الشام” المدعومة تركياً، وعدم وجود ميليشيات إسلامية توازيها إذا وضعنا “داعش” جانباً، أما “قسد” فلم تتقدم ولم يسمح لها أن تتقدم باتجاه العاصمة، ولذا فتحت الهيئة العاصمة الأموية بمفردها ومن دون منافسة، فلم يكن أمام الغرب إلا أن يتحاور معها لأن الغربيين يكرهون الفراغ، ولأن قوة الضغط المشتركة بين قطر وتركيا تمكنت بمهارة من أن تقنع الولايات المتحدة وأوروبا وسائر الدول العربية بأن القوة التي سيطرت عملياً على مفاصل الدولة باتت هي الدولة السورية، ولو مرحلياً، فاختارت الفصائل قائدها وسمّته رئيساً للدولة في جلسة واحدة.

وبعد هذا التطور لم يبق على الكتلة الغربية إلا أن تعترف بالسلطة براغماتياً لأن الخيار بات الاعتراف والتعايش معها أو حروب أهلية واحتمال هجوم مضاد للحشد الإيراني في العراق، وفي موازاة ذلك تراكضت الشركات المالية الكبرى لتأخذ مكان المصالح التي كانت من نصيب الإيرانيين والروس والنظام والميليشيات التابعة “لمحور الممانعة”، فانفتحت نافذة هائلة أمام الشركات الجديدة للاستثمار وأهمها قطرية – تركية وقطرية – أميركية، وتلك التابعة للنظام الجديد، وبالطبع شكلت هذه الكتلة الضخمة لوبياً كبيراً مع وزن هائل في واشنطن.

وجاء أول اختبار عندما انفجرت أحداث الساحل ووقعت مجازر في المدن والأرياف العلوية والمسيحية، لكن ذلك لم يؤد إلى تعبئة شعبية لا في الغرب ولا في أميركا بخاصة، لأن اللوبي الاقتصادي الجديد حمى “الدولة المركزية” من التداعيات الدولية، مما يدلّ على التغيير الذي طرأ على الموقف الأميركي من السلطة الجديدة، أي دعم شديد لا يؤثر فيه شيء آخر، وتبع ذلك تطور آخر بعد أشهر حين تعززت هذه المعادلة بحصول الإدارة على استثمارات هائلة من ثلاث دول خليجية ذات نفوذ، وهي السعودية والإمارات وقطر، ومع أن الإمارات حشدت أكبر كتلة مالية، والسعودية حافظت على نفوذها العام في المنطقة، فإن قطر استثمرت سياسياً أكثر من غيرها داخل الولايات المتحدة، وبالتالي كثفت تأثيرها في ملف الحكم الجديد في سوريا، بينما وطدت الرياض تأثيرها في الملف الاقتصادي داخل البلاد وتبعتها الإمارات، لذا فالسلطة الجديدة في دمشق تستفيد من التأثير القطري الكبير في واشنطن وعبر الشركات الاستثمارية الأربع لتشييد جدار دبلوماسي حول الحكم يمنع أية قوة إقليمية، بما فيها إسرائيل وإيران، من أن تُسقط النظام ميدانياً وحتى على المعارضات الداخلية، سواء أكانت سنيّة غير راضية أو منبثقة عن الأقليات المهمشة، من أن تهز عرش السلطة القائمة الآن.

وقد بات ذلك واضحاً عندما تفجرت أحداث السويداء وكادت قوات دمشق أن تجتاح كامل المدينة من دون أن يحدث أي تحرك أميركي لمنع سقوط عاصمة الدروز في سوريا، ولم يوقف التقدم الحكومي إلا قصف إسرائيلي مستمر أدى أخيراً إلى تدخل دبلوماسي أميركي قاده مبعوث الرئيس ترمب الشخصي السفير توماس باراك، وانتهى بإقامة “ستاتيكو” كأمر واقع تتحكم به علاقات أميركية – إسرائيلية متوترة في العمق.

إن ما أثبتته حوادث الساحل والسويداء، والضغوط المستمرة على قوات سوريا الديمقراطية، هو أن واشنطن تقف بقوة إلى جانب النظام وتحميه من السقوط الميداني، وبناء على ذلك نجحت سلطة الشام، بدعم من لوبي الشركات المتعاقدة، في أن تنال اعترافات دولية لا مثيل لها، فوقفت تخطب في الأمم المتحدة واُستقبلت في العواصم الغربية والعربية، وهي في طريقها إلى الحصول على دعم اقتصادي لا محدود، ولعل دعوة إدارة ترمب لنظام دمشق إلى أن يزور واشنطن ويدخل البيت الأبيض هو فتح عظيم لورثة “جبهة النصرة” و”القاعدة”، الذين اختاروا البراغماتية على “الطهارة الجهادية”، فوقّعوا عقود التعاون الاقتصادي والمالي والإعماري، وحصلوا على مفاتيح الجنة الأميركية الاقتصادية والدبلوماسية، وربما الدفاعية إلى حد ما.

في البيت الأبيض سيحصل الرئيس الشرع على ما لم يحصل عليه كثير من الرؤساء في قارات عدة، وسيؤثر ذلك في علاقة الدول العربية إيجابياً مع سوريا “الأمويين الجدد”، ويؤمن ديمومة النظام طوال عهد ترمب الرئاسي، ولكن السلطة الجديدة لم تدخل بعد الأمان الشامل، فالانزلاق السريع من المنهجية الجهادية القتالية إلى الشراكة شبه العضوية مع الغرب وأميركا، فيها أيضاً مكامن للمخاطرة مع الداخل العقائدي، واحتمال قيام صراعات بين الإسلاميين أنفسهم، كما حدث بعد الحرب الباردة حين انقسم هذا المعسكر ما بين كتلتين، “كتلة إخوانية” مهادنة تريد الاستفادة من الغرب، و”كتلة قتالية” تريد مقاتلة الغرب من دون هوادة، وليست المناوشات بين الحكم في سوريا والمقاتلين الأجانب في إدلب إلا نموذج لما قد يحصل إذا لم تنتقل سوريا إلى حكومة أكثر اعتدالاً وعدلاً تجاه طوائفها ومواطنيها، لأنه إذا ضربت السلطة المركزية من داخلها فقد تتحول إلى سودان آخر، وإذا حدث هذا فستتحول سوريا إلى لبنان الحرب الأهلية بين الطوائف والأقليات.

السيد الشرع سيجلس مع الرئيس الأميركي وستبدو حكومته متمكنة ومستقبلها مستقر وثابت، ولكن شروط التفاؤل مرتبطة بأن تسارع هذه السلطة إلى معالجة أزمات الداخل قبل أن تنفجر الأزمات الخارجية المتراكمة من كل ناحية وصوب، وإذ تدخل الإدارة في مبارزة مع المعارضة الأميركية في بداية العام خلال حملة الانتخابات النصفية، وتتحرك القوى المقاتلة المتضررة، وتحشد ايران ميليشياتها، وتتحصن اسرائيل في الجنوب، فإن آخر ما تحتاجه سلطة دمشق هو مجازر أخرى على ثلاثة محاور في الشرق والجنوب والغرب، قد تقوض الاستقرار في البلاد وتتسبب بانهيار لا يمكن للشركات الأميركية والحليفة أن تتحمله.

الرئيس ترمب قال إنه اعترف بحكم الشرع “كفرصة للخروج من الأزمة”، ولكن التشدد الأيديولوجي داخل النظام قد يطيح بتلك الفرصة، والحقيقة أنه إذا كانت هناك فرصة فهي للنظام كي ينتهي من الضغط على الأقليات في الأطراف وإشراكها في سلطة تعددية، وإلا ففرصة ترمب لـ “هيئة تحرير الشام” قد تُسحب من السيد الشرع إذا تحول من جديد إلى الجولاني وتعطى لأخصامه، وما يحتاجه رئيس الجمهورية العربية السورية الانتقالي هو “بيريسترويكا” على طريقة غورباتشيوف، كي لا تتهاوى الأوضاع كما تهاوى الاتحاد السوفياتي.

Independent News

شاهد أيضاً

سمير زيتوني هو الأساس

مساءَ السبت الماضي كانَ من أمسيات الرعب، كما في أفلام القتلة المتسلسلين، في قطارٍ من …