الرئيسية / صحافة ورأي / هل شبانة محمود قادرة على إنقاذ ستارمر وبريطانيا؟

هل شبانة محمود قادرة على إنقاذ ستارمر وبريطانيا؟

سونيا سودا
سونيا سودا

في العادة يتم استشعار صعود بعض الوزراء الأساسيين قبل حدوثه بوقت طويل في المشهد السياسي الصاخب لدوائر ويستمنستر. إلا أن مسيرة شبانة محمود نحو تبوؤ منصب وزيرة الداخلية البريطانية كان مختلفاً، بحيث اتسم بالهدوء ولم يرافقه أي ضجيج إعلامي. ربما يعود ذلك إلى أن تولي أول امرأة مسلمة أحد أهم المناصب العليا في الدولة، قد تم التقليل من شأنه من جانب كثير من وسائل الإعلام في المملكة المتحدة، أو ربما لأنها لم تركز على إطلاع الصحافة على طموحاتها، بالمقدار الذي قام به بعض زملائها. على أي حال، هذه السيدة ثبتت نفسها الآن بقوة – بعدما تسلمت أحد أكثر المناصب أهميةً من الناحية الاستراتيجية في الحكومة – ضمن فئة “الشخصيات الجديرة بالمتابعة”.

صعود شبانة محمود كان ثابتاً أكثر منه سريعاً أو مفاجئاً. فقد انتُخبت عام 2010 لتمثيل دائرتها “بيرمنغهام ليديوود” في البرلمان البريطاني، وتولت سلسلةً من المناصب الوزارية في حكومة الظل “العمالية” بقيادة إد ميليباند، بدءاً من شؤون السجون والتعليم العالي، وصولاً إلى وزيرة مالية حكومة الظل. وقد رفضت كما الكثير من كبار الشخصيات في الحكومة الراهنة – على عكس زعيمها كير ستارمر – العمل تحت قيادة الزعيم السابق للحزب جيريمي كوربين، وعادت عام 2015 إلى المقاعد الخلفية في البرلمان [حيث يجلس النواب الذين لا يتولون مناصب حكومية]. لكن عندما وصل ستارمر إلى رئاسة الحزب، قام بترقيتها إلى منصب منسقة الحملة الوطنية، وهو دورٌ يركز على الشؤون الداخلية للحزب، قبل أن يكلفها عام 2023 منصب وزيرة العدل في حكومة الظل.

أما ترقيتها إلى منصب وزيرة الداخلية البريطانية بعد مرور عام واحد فقط على فوز حزب “العمال” في الانتخابات، فتُعد مؤشراً واضحاً على مدى الثقة التي تحظى بها عند رئاسة الوزراء. وقد سجل الشهر الأول من ممارستها للمنصب فترة عمل مكثفة للغاية، بحيث أطلقت سياسات بارزة جذبت اهتمام وسائل الإعلام، سواءٌ في مجالي الهجرة واللجوء، أو في ما يتعلق بالتعامل مع الهجوم الإرهابي المعادي للسامية في مدينة مانشستر الذي أودى بحياة اثنين من اليهود البريطانيين.

ويُعزى جزء من هذه الثقة إلى علاقتها الوثيقة بمورغان ماكسويني رئيس موظفي كير ستارمر، التي نمت وتطورت خلال فترة عملهما معاً في المعارضة، على صياغة استراتيجية حملة حزب “العمال”. لكن الحقيقة أن الأمر لا يقتصر على هذه العلاقة فحسب، إذ تُعتبر شبانة محمود على نطاق واسع إحدى الشخصيات الأكثر كفاءةً في الحزب. ففي أثناء توليها منصب رئيسة الحملة الوطنية لحزب “العمال”، يُنسب إليها الفضل الكامل في تحقيق الفوز بدائرة “باتلي أند سبين” في الانتخابات الفرعية، وهو إنجازٌ مهم ساعد على تهدئة التوترات الداخلية ضمن صفوف الحزب المعارض خلال الأشهر الأولى المضطربة والحاسمة من قيادة كير ستارمر.

أثناء تولي شبانة محمود منصب وزيرة العدل، واجهت تحدياً بالغ الصعوبة تمثل في الاضطرار للإفراج المبكر عن آلاف السجناء نتيجة فشل الحكومة السابقة في زيادة القدرة الاستيعابية للسجون البريطانية. ولم تقتصر إنجازاتها على تجاوز هذه الأزمة بنجاح فحسب، بل عملت أيضاً على تقديم تشريع طال انتظاره، يقضي بإلغاء معظم أحكام السجن قصير الأمد، وقامت بكل ذلك من دون أن تظهر أي تساهل في التعامل مع الجريمة.

ويعكس هذا النجاح تموضعها السياسي الذكي الذي شمل من بين أمور أخرى، تكليف وزير العدل السابق من حزب “المحافظين” ديفيد جوك، إجراء مراجعة لها، إضافةً إلى براعة في التعامل مع وسائل الإعلام والتواصل.

أحد موظفيها السابقين قال لي: “يُنظر إليها في ’داونينغ ستريت‘ [دوائر الحكومة] على أنها شخصيةٌ سياسية ماهرة للغاية، وقد اضطلعت بدور محوري في تحديد الأولويات السياسية للحكومة”. وإلى جانب تعيينها وزيرةً للداخلية، تم انتخابها أخيراً – بدعم كامل من القيادة – لرئاسة “اللجنة التنفيذية الوطنية” National Executive Committee المؤثرة في حزب “العمال” [وهي الهيئة التي تُحدد سياسات الحزب وقواعده التنظيمية].

لا شك في أن سياسات شبانة محمود – التي تعرف نفسها بأنها تنتمي إلى الجناح العمالي الأزرق لحزبها Blue Labour، وبأنها ليبرالية اقتصادياً ومحافظة اجتماعياً – تضعها في موقع مثالي يمكنها من تطبيق سياسات تشدد قوانين الهجرة، وفي الوقت نفسه انتقاد السياسيين المتطرفين من أمثال نايجل فاراج عندما يبالغون في مواقفهم من هذه المسألة.

وُلدت شبانة محمود في مدينة بيرمنغهام لأبوين من “آزاد كشمير”، وهي المنطقة الواقعة في أراضي الإقليم الخاضعة للإدارة الباكستانية. في مرحلة طفولتها، انتقلت هي وشقيقها التوأم مع عائلتهما إلى مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، حيث عمل والدها مهندساً مدنياً. وبعد سبعة أعوام في الخارج، عادت العائلة إلى بيرمنغهام، حيث واصل والدها مسيرته المهنية في الهندسة، وأدار متجراً صغيراً، وتولى منصب رئيس حزب “العمال” المحلي.

تعرب شبانة محمود – بصفتها ابنةً لمهاجرَين – عن تفهمها لمطالب ناخبيها الذين، كما تقول، يسعون إلى نظام هجرة عادل ومنظم، يعكس القواعد التي التزمها كثيرون منهم عند وصولهم للمرة الأولى إلى المملكة المتحدة.

في الوقت نفسه، يُنظر إلى وزارة الداخلية على نطاق واسع، على أنها من أخطر المناصب الوزارية، لكونها تُعنى بملفات حساسة بدءاً من موضوع الهجرة وصولاً إلى الإشراف على عمل الشرطة، ما يجعل احتمال الوقوع في أخطاء كبيرة قائماً بشكل دائم، ومن شأنه أن يفضي إلى استقالة حتمية للشخص الذي يتولاها. مع ذلك – إلى جانب منصب وزير الخزانة – ربما لا يوجد أي دور وزاري آخر أكثر أهميةً في تحديد مدى نجاح رئيس الوزراء كير ستارمر سياسياً، الذي شدد في المؤتمر الأخير لحزب “العمال”، على أن التحدي الانتخابي الرئيسي الذي يواجهه ليس مصدره حزب “المحافظين”، بل حزب “ريفورم”.

في غضون أسابيع قليلة على تولي شبانة محمود منصب وزيرة الداخلية، شرعت في تعزيز الخطط الحكومية القائمة، بحيث بات لزاماً على المهاجرين الآن الإقامة في المملكة المتحدة لمدة 10 سنوات – بدلاً من خمس – قبل أن يُتاح لهم التقدم بطلب الحصول على وضع الإقامة غير محددة المدة. كذلك أعلنت أن المتقدمين بطلب الحصول على الإقامة الدائمةسيُضطرون إلى استيفاء مجموعة من الشروط الإضافية، تشمل إتقان اللغة الإنجليزية، وامتلاك سجل جنائي نظيف، وأداء أعمال تطوعية.

واستلهاماً مما قامت به الدنمارك، حيث قلصت حكومة يسار الوسط هناك بشكل كبير سخاء سياسات اللجوء، أكدت محمود أن اللاجئين لن يحق لهم بعد الآن التمتع تلقائياً بالحق في الإقامة الدائمة في المملكة المتحدة، ولن يُسمح لهم بجلب أسرهم للانضمام إليهم. وقد تصبح بذلك السلاح السري لكير ستارمر في مواجهته مع حزب “ريفورم”، شرط أن تحظى بدعم رئيس الوزراء في مواجهة أعضاء حزبه الذين يفضلون نهجاً أكثر ليونة وميلاً إلى اليسار.

تصف شبانة محمود نفسها بأنها كانت “شديدة الشغف” بالشؤون القانونية منذ صغرها، مشيرةً إلى أن تعلقها بالمسلسل الدرامي التلفزيوني “كافانا كيو سي” Kavanagh QC، كان العامل المحفز وراء اهتمامها بممارسة مهنة المحاماة. وقد التحقت بمدرسة ثانوية للبنات قبل أن تواصل دراستها الجامعية في مجال القانون في “كلية لينكولن” التابعة لـ “جامعة أكسفورد”، حيث انتُخبت رئيسةً لـ “الغرفة المشتركة للناشئين” Junior Common Room – بتصويت من ريشي سوناك (رئيس الوزراء البريطاني السابق)، الذي كان آنذاك يتقدمها بسنة دراسية. عند تخرجها، انتقلت إلى لندن لتتدرب كمحامية، حيث أمضت معظم عقدها العشرين في صقل مهاراتها القانونية، لكن عندما أعلنت كلير شورت (السياسية البارزة السابقة في حزب “العمال”) تنحيها عن مقعدها البرلماني، قررت محمود التخلي عن مجال القانون والتفرغ للعمل في السياسة.

يُشار إلى أن أبرز مواقفها، مطالبتها لفترة طويلة بوجوب إصلاح “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، وذلك من أجل تقليل استخدام هذه الاتفاقية في منع ترحيل المجرمين الأجانب، والحفاظ في الوقت نفسه على الشرعية العامة للنظام القضائي البريطاني، على رغم أنها وضعت خطاً فاصلاً بينها وبين أولئك الذين يطالبون بانسحاب كامل للمملكة المتحدة من الاتفاقية.

بالطبع، ليس من السهل دائماً إقناع أتباع الحزب بقبول هذا النمط من السياسة الحازمة. فقد كان من اللافت أن خطابها الصارم الذي ألقته في مؤتمر حزب “العمال” في مانشستر، لم يلقَ المقدار نفسه من الحماسة والتفاعل من جانب عدد من أعضاء الحزب الحاضرين في القاعة. ومع ذلك، بدا واضحاً أن هذا لم يشكل أي مصدر إزعاج لها على الإطلاق.

على رغم أن شبانة محمود، البالغة من العمر خمسةً وأربعين عاماً، لم تسعَ إلى الترويج لنفسها كزعيمة مستقبلية محتملة للحزب، إلا أنها تميزت بصراحتها اللافتة في الحديث عن طموحاتها الشخصية عندما سُئلت عنها خلال فعاليات الشهر الماضي، وقالت مازحة: “ينبغي عدم تصديق أي شخص في السياسة يدعي أنه لا يملك طموحاً لتولي المنصب الأعلى – لأنه ببساطة يكذب”.

لكن الحقيقة تبقى أن وزارة الداخلية قد تمثل تحدياً بالغ الصعوبة بالنسبة إليها عند عرض إنجازاتها على أعضاء الحزب الذين يسيطرون اليوم على جميع الأصوات الحزبية في أي سباق محتمل للقيادة المستقبلية، كذلك هي ليست من بين الوزراء الأكثر شعبيةً لدى قواعد الحزب.

مع ذلك، فإن الاحترام الذي تحظى به بين نواب حزب “العمال” يمتد ليشمل جميع الأعضاء ويتجاوز حدود الجناح الأزرق للحزب. وقد قال لي أحد نواب المقاعد الخلفية: “إنها تضفي جرأةً حقيقية على دور وزيرة الداخلية، فقد اتخذت قرارات صعبةً في مجال العدل، وأثبتت من خلالها أنها تمتلك الشجاعة اللازمة لمواجهة التحديات”. وقال نائبٌ آخر: “أنا من أشد المعجبين بها – لديها حدس سليم وشجاعة وجرأة سياسية حقيقية. وتعيينها يُعد خبراً ساراً للغاية بالنسبة إلى الحكومة والبلاد على حد سواء”.

لا تجد شبانة محمود حرجاً في اتخاذ مواقف واضحة من القضايا المثيرة للجدل. ففي ما يتعلق بعصابات التحرش الجنسي، تجنبت خطاب “لا شيء مهم هنا” [خطاب سياسي حاول التقليل من الحدث]، الذي تبناه عددٌ من زملائها في البداية، وبدلاً من ذلك قالت لمجلة “سبكتاتور” في وقت سابق من هذه السنة إن “هناك سؤالاً عالقاً حول سبب غض الكثيرين الطرف عن هذه المسألة”، مضيفةً أن “اللحظة الحاسمة للمحاسبة لم تأتِ بعد”. أما في القضية المثيرة للجدل المتعلقة بحق المرأة في مساحات مخصصة للجنس الواحد مقابل حقوق الرجال تعريف هويتهم بأنفسهم والدخول إلى هذه الأماكن [هو النقاش المتعلق بحق الأشخاص المغايرين جنسياً في تعريف هويتهم الجنسية بأنفسهم، أي اختيارهم اعتبار أنفسهم من الجنس الذي يختارونه، ومن ثم السماح لهم بدخول الأماكن المخصصة لذلك الجنس]، فقد اتخذت محمود موقفاً حازماً، وهو موقفٌ يحظى بتقدير صامت لدى نواب الحزب الذين يعربون عن قلقهم من مواصلة بعض أعضاء الحكومة تقويض التزام حزب “العمال” الوارد في بيانه الانتخابي، بحماية حقوق المرأة القائمة بموجب “قانون المساواة” الراهن.

يُشار هنا إلى أنه من غير المألوف أن يكون السياسيون صريحين إلى هذا الحد في شأن الدور الذي يضطلع به إيمانهم في صياغة سياساتهم، كما فعلت شبانة محمود التي آثرت التحدث بشكل واضح عن الطريقة التي رسخ بها إيمانها وموقفها وثباتها خلال الفترات الصعبة في مسيرتها السياسية، بما في ذلك عندما أصبحت هدفاً للذين انتقدوا رد فعل حزب “العمال” على الصراع القائم بين إسرائيل وغزة.

وبصفتها مسلمةً ملتزمة، فهي تعارض مسألة “الموت بمساعدة الغير”، إلا أنها أوضحت في رسالة وجهتها إلى ناخبي دائرتها، موقفها في شأن هذه القضية بشكل صريح، مؤكدةً أن لديها عدداً من المخاوف الجدية المتعلقة بحماية الأشخاص بموجب التشريع، وهي مخاوف يشاركها فيها أيضاً معارضون لهذا المبدأ داخل البرلمان، وهم من غير المتدينين.

لا تحظى شبانة محمود في الوقت الراهن بشهرة واسعة بين عامة الناس، وهي تضع حدوداً صارمة، وتحرص على الحفاظ على خصوصية حياتها الشخصية. كذلك هي ليست بمعزل عن التحديات السياسية الخاصة بها: فقد كان مقعدها في “مجلس العموم” من أكثر المقاعد أماناً في البلاد، إلا أن غالبيتها تقلصت في الانتخابات الأخيرة على يد أحمد يعقوب، المستقل من غزة، الذي حظي بدعم خاص من الناخبين المسلمين في دائرتها الانتخابية. وتشير تقارير إلى أن النائبة السابقة عن حزب “العمال” زهرة سلطانة، تفكر في الترشح ضدها في الانتخابات المقبلة.

في النهاية، سيكون عليها بذل جهد كبير في طرح أجندتها الوزارية على أعضاء البرلمان والنواب من يسار حزب “العمال”. مع ذلك، بصفتها وزيرة بحقيبة أساسية فإنها بلا شك ستكون في صدارة المعركة بين حزب “العمال” وحزب “ريفورم”، وإذا نجحت في إدارة ملف وزارة الداخلية، فقد يمهد ذلك الطريق أمامها لتحقيق مستقبل سياسي أكثر تأثيراً.

© The Independent

شاهد أيضاً

في ذكرى ولادة الموسيقي الفرنسي رافيل: عودة إلى اهتمام مصري به

  هذا العام الموسيقي في فرنسا هو في جانب كبير منه عام المبدع موريس رافيل. فهو …