الرئيسية / صحافة ورأي / اعتماد الذكاء الاصطناعي وأثره الاقتصادي

اعتماد الذكاء الاصطناعي وأثره الاقتصادي

يوسف برقاوي
يوسف برقاوي
الشريك في الهندسة والذكاء الاصطناعي والبيانات في ديلويت الشرق الأوسط

في عالم اليوم، لم يعد الذكاء الاصطناعي طموحاً يُسعى إليه، بل صار جزءاً أساسياً من طريقة نمو الاقتصادات وتنافسها، ويشهد الشرق الأوسط تسارع معدلات اعتماد هذه التكنولوجيا أكثر من أي مكان آخر، إذ يُظهر تقرير “حالة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط 2025” من ديلويت أن أكثر من 80% من المؤسسات تشعر بالضغط لاعتماد الذكاء الاصطناعي، في وقت يُتوقّع فيه نمو السوق الإقليمي بمعدل سنوي يقارب 36%.

ويستند التقرير إلى مقابلات أُجريت مع أكثر من 150 مسؤولاً تنفيذياً في دول مجلس التعاون الخليجي، شملت قطاعات الأعمال والجهات الحكومية ومقدمي الخدمات التقنية، بالإضافة إلى خبراء متخصصين.

وقد بدأت آلاف الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي ترسيخ جذورها، مثل قطاع التصنيع الذي يشهد استفادة من الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.  وبهذا الزخم، يصبح الشرق الأوسط مختبراً حقيقياً للابتكار وبيئة لاختبار المهارات التي ستحدد مستقبل العمل.

إلا أن هذا التفاؤل يأتي مع تحدٍ هيكلي، ذلك أن معدلات الاعتماد تتنامى بسرعة أكبر من جاهزية قوى العمل، في حين تتسابق المؤسسات لدمج الذكاء الاصطناعي ليكون ميزة تنافسية، إذ تجد صعوبة في إمدادات المواهب لمواكبة هذا التوجه، والنتيجة هي اتساع الفجوة بين تطلعات الأداء، وهذه فجوة قد تعوق التقدّم ما لم تتمكن المنطقة من توظيف إمكانات الذكاء الاصطناعي لتوفير وظائف مستدامة، وليس مجرد أتمتة الوظائف القائمة.

ويخشى البعض أن يمحو الذكاء الاصطناعي وظائف أكثر مما يُتيح، إلا أن الواقع أكثر تعقيداً ودقة مما يبدو، فعلى الرغم من أن المهام المتكررة والروتينية باتت تؤتمت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن أدواراً جديدة تنشأ بسرعة في مجالات هندسة الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والأخلاقيات، والتعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.

وتشير الأبحاث العالمية التي أجرتها ديلويت إلى أن العديد من المسؤولين التنفيذيين يجدون أن الذكاء الاصطناعي يوفر وظائف أكثر مما يُحيد، بشرط أن تتمكن القوى العاملة من إعادة اكتساب المهارات على نطاق واسع.

وفي منطقة الشرق الأوسط، تبيّن مؤشرات السوق إلى أن المؤسسات توسّع أدوار الذكاء الاصطناعي بنشاط، إلا أن الطلب يتجاوز بكثير حجم قاعدة المواهب المتاحة.

وبالتالي، تشكّل إعادة تأهيل القوى العاملة التحدي الأهم في المنطقة، لذا تلجأ بعض الشركات إلى الاستثمار في الأكاديميات المحلية، والشراكات الجامعية، ومسارات تطوير المهارات الرقمية، غير أن هذه الجهود لا تزال مشتتة وغير متكاملة، ولسدّ هذه الفجوة يجب على المؤسسات أن تتعامل مع مهارات الذكاء الاصطناعي بصفتها أولوية استراتيجية ذات تأثير مباشر على التقدم الوظيفي وحوافز الأداء المشاريع الفعلية.

إضافة إلى ذلك، يُعد التركيز على المتخصصين في مجالات الهندسة أو العمليات أو التحليلات الذين يمكنهم اكتساب مهارات الذكاء الاصطناعي في وقت قصير، إحدى السُبُل التي تسرّع الوصول إلى حالة الجاهزية.

ولم تَعد فوائد هذه التقنية تخفى على أحد، فقد نجحت الصيانة التنبؤية في تقليل فترات التعطل في قطاع التصنيع بنسبة تصل إلى 40%، كما أن روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح لموظفي خدمة العملاء التفرغ للحالات الأكثر تعقيداً، بينما يستفيد قطاع التجزئة من التنبؤ بحركة الطلب لتقليل الهدر وتحسين هوامش الربح، لكن هذه المكاسب لا تتحقق على نطاق واسع إلا بوجود بنية تحتية قوية للبيانات وحوكمة فعالة وإدارة للتغيير.

ويشير البحث إلى أن واحدة من كل ثلاث مؤسسات في المنطقة لا ترى أي عائد من مبادراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس تبنياً للتقنية دون استعداد كافٍ.

ولتحويل الزخم الذي اكتسبه الذكاء الاصطناعي إلى أثر مستدام، يجب على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الانتقال من الجهود المُجزأة إلى استراتيجية إقليمية لتحقيق نمو مستدام مدعوم بالذكاء الاصطناعي. ويتحقق هذا من خلال:

• المواءمة بين السياسات والتعليم والقطاعات من خلال دمج أساسيات الذكاء الاصطناعي في المدارس ودعم الشراكات بين الجامعات ومؤسسات الأعمال.

• التعامل مع إعادة تأهيل المهارات بصفتها أولوية استراتيجية وليس مجرد فرصة عابرة.

• التركيز على حالات استخدام تطبيقية توفر قيمة فورية في العمليات وسلاسل الإمداد وتجربة العملاء.

• بناء أسس قوية للبيانات والحوكمة لتقليل العقبات وتعزيز الثقة.

• قياس الأثر لا النشاط، بحيث يرتبط العائد على الاستثمار بالإيرادات والتكاليف ورضا العملاء.

وبنجاح منطقة الخليج، ولا سيما دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، في تنفيذ هذه الخطوات، ستحظى المنطقة بفرصة اختصار الطريق نحو فصل جديد يتّسم بالقيمة العالية والاقتصادات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، غير أن التكنولوجيا لوحدها لا تكفي، فعامل التمييز الحقيقي يكمن في وجود أشخاص يتمتعون بالمهارات اللازمة وبالقدرة على التأقلم وبالدعم الكافي لتوظيف الذكاء الاصطناعي محركاً للفرص بدلاً من أن يكون عائقاً أمامها.

BBC Business News 

شاهد أيضاً

سمير زيتوني هو الأساس

مساءَ السبت الماضي كانَ من أمسيات الرعب، كما في أفلام القتلة المتسلسلين، في قطارٍ من …