الرئيسية / صحافة ورأي / هل حان الوقت لإعادة ابتكار أعمالك؟

هل حان الوقت لإعادة ابتكار أعمالك؟

رياض النجار
رياض النجار
رئيس مجلس إدارة بي دبليو سي الشرق الأوسط والمدير المسؤول عن مكاتبها في المملكة العربية السعودية
تتعامل الشركات في العالم حالياً مع بيئة اقتصادية تتزايد فيها التعقيدات يوماً بعد يوم، ويُعاد تشكيلها من جديد بفعل التغيرات الجيوسياسية، والتحول في ديناميكيات التجارة، وارتفاع التعريفات الجمركية، واحتدام المنافسة، ويضاف إلى هذه العوامل التفاعلات الناتجة عن اتجاهين عالميين في هذا العصر، هما: الذكاء الاصطناعي والتغير المناخي، ومن المتوقع أن يسهم هذان الاتجاهان في إحداث تحول جوهري في حياتنا الشخصية والعملية وترك أثر يدوم على المدى الطويل، وبينما يتوقع الكثيرون أن يعزز الذكاء الاصطناعي النمو تعزيزاً كبيراً، تواصل المخاطر المناخية الملموسة مثل الفيضانات والجفاف والإجهاد الحراري وحرائق الغابات تعطيلها لحركة اقتصادات الدول من حولنا.
لذا، فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما تأثير هذه العوامل على الشركات والمؤسسات؟ لا شك أن الإجابة واضحة، إذ إن البقاء والاستمرارية مرهونان بالقدرة على إعادة الابتكار، وبالتالي يتعين على الشركات أن تعيد النظر في طريقة استحداثها للقيمة وتحقيقها والاحتفاظ بها، وفي الاستطلاع السنوي الثامن والعشرين لانطباعات الرؤساء التنفيذيين ذكر 60% من الرؤساء التنفيذيين في منطقة الشرق الأوسط أنهم يعتقدون أن شركاتهم قد لا تتمكن من الصمود خلال السنوات العشر المقبلة أو أقل ما لم تعمل على تكييف نماذج أعمالها.
ولكن مسار إعادة الابتكار نادراً ما يكون واضحاً ومباشراً، فلا ندري هل يرتبط النجاح باختيار نموذج الأعمال الصحيح أم يرتبط بالتنفيذ في التوقيت الصحيح أم بالتنفيذ المنضبط؟ ويقدم لنا التاريخ عظة وعبرة في هذا السياق، إذ يخبرنا أن الشركات التي تآكلت قيمتها وقدرتها هي تلك التي تسرعت في قرارتها أو تأخرت كثيراً في اتخاذها، ويكفينا أن نستذكر أن %89 من الشركات التي كانت مدرجة في مؤشر فورتشن لأكبر 500 شركة على مستوى العالم في عام 1955 لم تعد موجودة في قائمة المؤشر حالياً.
وتظهر تحليلات بي دبليو سي أن نحو %80 من القطاعات التقليدية تعاني حالياً من احتدام ضغوط إعادة الابتكار التي وصلت أو اقتربت من الوصول إلى أعلى مستوياتها خلال الـ(خمس وعشرين سنة) الماضية، وقد أشار خبراؤنا الاقتصاديون إلى أن جهود إعادة ابتكار نماذج الأعمال في عام 2025 فقط من الممكن أن تدر إيرادات تصل إلى 7.1  تريليون دولار على مستوى العالم.
وهنا، علينا أن نسأل أنفسنا، ما الذي يترتّب على الشركات والمؤسسات في منطقتنا؟
لا شك أن منطقة الشرق الأوسط تمتلك ميزة استراتيجية مؤثرة للغاية، ألا وهي الوصول إلى الطاقة المتجددة بأقل تكلفة في العالم بالإضافة إلى موقعها كمركز عالمي ناشئ للذكاء الاصطناعي في ظل الدعم القوي الذي تقدمه حكومات ذات رؤية استشرافية تستهدف بناء مستقبل يقوم على التقنية، وهذا الأساس المتين يمنح الشركات والمؤسسات في المنطقة ميزة واضحة، لاسيما مع ارتفاع مستويات الثقة في الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط، حيث أعرب نصف الرؤساء التنفيذيين في دول الخليج عن ثقتهم الكبيرة في استخدامه. ويضاف إلى ذلك الإقبال الملحوظ على المخاطرة المحسوبة والابتكار، إذ طرح أكثر من نصف قادة شركات المنطقة منتجات أو خدمات جديدة في آخر 5 سنوات بينما ركز %53 منهم على استهداف شرائح عملاء جديدة لتوسيع رقعة انتشار شركاتهم في السوق.
وفي أحدث تقارير بي دبليو سي  الصادر بعنوان «القيمة المتغيرة: حان الوقت ليتولى الشرق الأوسط القيادة»، تشير أبحاثنا إلى أن قوى الذكاء الاصطناعي والتغير المناخي قد بدأت بالفعل في إعادة تشكيل القطاعات التقليدية –التي غالباً ما كانت تعمل بمعزل عن بعضها البعض– ودمجها مع بعضها لتشكل مجالات نمو جديدة مثل مناطق النشاط الاقتصادي وخلق القيمة التي تتعاون فيها الشركات بأساليب إبداعية لتلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد في مجالات النقل والطاقة والغذاء والبناء والعناية الصحية، وستشهد هذه المجالات الجديدة تحرك تريليونات الدولارات من القيمة ما سيخلق فرصاً غير مسبوقة أمام المستعدين لاقتناصها.
ولكي تصمد الشركات أمام اختبار الزمن واغتنام القيمة المتحركة، سيتعيّن على الشركات دخول مجالات نمو جديدة تتلاشى فيها الحدود بين الصناعات وتتشكّل شراكات بين مختلف القطاعات، ولقد بدأنا بالفعل برؤية هذا التحول في منطقتنا، إذ تعمل الشركات حالياً على تطوير قطاع الزراعة باستخدام التكنولوجيا، وتقود ابتكارات في زراعة النباتات لدعم الأمن الغذائي المحلي، بينما توسعت شركات النقل والتجزئة في مجال التقنيات المالية من خلال خدمات المحافظ الرقمية والتحويل من شخص لآخر، في الوقت الذي تتحول فيه خدمات قطاع الرعاية الصحية ونماذجه التشغيلية إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
ويلخص بحثنا ثلاثة سيناريوهات مستقبلية مختلفة من المرجح أن تشهدها منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2035، وهي: سيناريو الثقة، وسيناريو التحول المتوتر، وسيناريو التحول المضطرب، ولكل من تلك السيناريوهات نتائج مختلفة. ويبلغ حجم المخاطرة في هذه السيناريوهات 232 مليار دولار وهو حجم الفجوة بين أشد السيناريوهات تحفظاً وأكثرها تفاؤلاً. ففي أفضل السيناريوهات، قد يسهم تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع واتخاذ إجراءات حاسمة للتعامل مع تغير المناخ في رفع الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة إلى 4.68 تريليون دولار بحلول 2035، إذ من المنتظر أن يتسبب الذكاء الاصطناعي وحده في تحقيق زيادة في الإنتاجية بنسبة 8.3%.
ولبلوغ هذا المستقبل يجب على قيادات الأعمال التحرك فوراً، ففي ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط والتغيرات في أسعار التعريفات الجمركية، سيمثل بناء تحالفات استراتيجية وسلاسل إمداد مرنة ركيزة جوهرية لفتح المجال أمام الابتكار بما يتجاوز الحدود الفاصلة بين البلدان والقطاعات، وقد تظهر مجموعة من الفرص نتيجة التحولات في مطالب العملاء وتركيبتهم الديموغرافية، وظهور التقنيات الثورية، والتحول إلى الاقتصاد منخفض الكربون، وسيعتمد النجاح على القدرة على التكيف من خلال تطوير منتجات وخدمات مستدامة ذات رؤية مستقبلية مدعومة ببنية تحتية للطاقة المتجددة ومعززة بالابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويتعين على قادة الشركات خلال العقد القادم توقع المجالات التي ستظهر فيها القيمة وبناء مؤسسات قادرة على التطور المستمر لاغتنام هذه الفرص. فالمستقبل سيكون من نصيب القادرين على التفوق في سباق التفكير والمبادرة بالتصرف والوصول إلى أفضل أداء، إذ إن القيمة لم تعد تكمن في التميز في قطاع واحد أو في نماذج التشغيل القديمة، وإنما هي الآن في يد القادر على إعادة تصور بنية الأعمال عبر المنظومات المختلفة وترسيخ دور التكنولوجيا والثقة في صناعة القرار بما يخدم تحقيق الغاية التي تسعى الشركات إلى بلوغها، ويشار هنا إلى أن تعزيز هذه الأولويات في عيون قيادات الشركات والمؤسسات لن يسهم في فتح المجال أمام ترسيخ الميزة التنافسية لتلك الشركات والمؤسسات فحسب، وإنما سيُسهم في ترسيخ مكانة المنطقة على خريطة الريادة العالمية في المرحلة المقبلة.
CNN Business News 

شاهد أيضاً

في ذكرى ولادة الموسيقي الفرنسي رافيل: عودة إلى اهتمام مصري به

  هذا العام الموسيقي في فرنسا هو في جانب كبير منه عام المبدع موريس رافيل. فهو …