الرئيسية / كلمة العدد /
المؤثرون والمتأثرون «7»
أصحاب همم .. مؤثرون
مودي حكيم

المؤثرون والمتأثرون «7»
أصحاب همم .. مؤثرون

 

 

رغم أن المؤثرين الذين يقومون بنشر المعرفة التي تدفع الناس إلى الكفاح لبناء مجتمعات المعرفة. و لعبوا دور فى حياة العظماء ممن أضافوا للبشرية ولم يأخذوا منها ، ومساعدتهم من أجل العلم والتعلم والتفوق والعدالة و الأنسانية ، والارتقاء بأرواحهم للسمو والعطاء والمشاركة من أجل مجتمع أفضل ، أن تأثير المؤثر لابد أن يدعمه الإصرار فهو مفتاح الوصول الى النجاح . حكينا قصة اصرار بعض عُلّمائَنا.. وعن مؤثرون آخرون من اصحاب الهمم نحكي ..

***

هناك اشخاص ، رغم اصابتهم بعجز او إعاقة جسدية لم يمنعهم ذلك من تحويل حياتهم من عادية الى قصص نجاح ناتجة عن إرادة صلبة وإصرار على تحقيق الأحلام والوصول الى الأهداف. لمعت أسماء بعضهم وتحولوا الى مؤثرين يُحتذى بهم ويحكى عن نجاحهم على مر السنين في أكثر من مجال. لم تقف الإعاقة في وجوه الجميع ، فهناك أدباء وعباقرة تحدوا إعاقتهم وكانوا أيقونة بارزة في حياتهم وحتى بعد رحيلهم ، ومنهم الأدباء الذين تغلبوا على إعاقتهم واطلقوا النور لعيون المبصرين ومنهم الأديب العالمي طه حسين والأديب المفكر مصطفى صادق الرافعي والأديبة هيلين كيلر ، ومن الفنانين الموسيقار عمار الشريعي ، والملحن الفنان سيد مكاوي ، وكريس بورك , الممثل الأميركي الأكثر شعبية في هوليوود، حقق نجاحًا كبيرًا في كثير من الأفلام والبرامج التلفزيونية، وحصد عددًا من الجوائز الفنية رغم أنه يعاني من متلازمة داون.
الراقصة والممثلة الهندية الشهيرة سودها تشاندران تعرضت لحادثة عام 1981 أدت إلى بتر إحدى ساقيها، وعلى الرغم من ذلك أصبحت واحدة من أبرز الراقصات الكلاسيكيات في الهند ، و فريدا كاهلو ، واحدة من أشهر الرسامين في المكسيك وفي العالم كله، رغم أنها عانت من مرض شلل الأطفال، ولكنها تحدت إعاقتها وحققت نجاحًا كبيرًا.

 

***

 

الأديب العربى ، مصطفى صادق الرافعي ، المنتمي لمدرسة الشعر الكلاسيكي مواليد 1880 ، ولد وتربي ببهتيم – محافظة القليوبية ، في بيت جده لأمه سورية الأصل كابيه القاضي الشرعي ورئيس محكمة طنطا الشرعية في قرية بهتيم بمحافظة القليوبية ، وأصيب بالصمم في الثلاثين من عمره ولم تقف إعاقته حاجزًا دون تحقيق شهرة أدبية واسعة .

وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم أصيب بمرض التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصابًا في أذنيه، واشتد به المرض حتى فقد سمعَه نهائيا في الثلاثين من عمره. ولم يحصل في تعليمه على أكثر من الشهادة الابتدائية، مثل العقاد في تعليمه. و كان الرافعي مثل طه حسين صاحب عاهة دائمة هي فقدان البصر، وفقدان السمع عند الرافعي، ومع ذلك فقد كان الرافعي مثل زميله طه حسين من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده .

أبدع الرافعي في ثلاثة ميادين ، ميدان النثر الشعري الحـر، وكان مقيداً بالوزن والقافية ، أما الميدان الثاني الذي خرج إليه فهو ميدان الدراسات الأدبية وأهمها كان كتابه عن تاريخ آداب العرب، وهو كتاب بالغ القيمة، ولعله كان أول كتاب في موضوعه يظهر في العصر الحديث، لأنه ظهر في أوائل القرن العشرين وبالتحديد في سنة 1911. ثم كتب الرافعي بعد ذلك كتابه المشهور تحت راية القرآن وفيه يتحدث عن إعجاز القرآن، ورد فيه على آراء الدكتور طه حسين في كتابه المعروف باسم في الشعر الجاهلي .

و يأتي الميدان الأخير، الذي تجلت فيه عبقرية الرافعي ووصل فيه إلى مكانته العالية في الأدب العربي المعاصر والقديم، هو مجال المقال، الذي أخلص له الرافعي في الجزء الأخير من حياته وأبدع فيه ابداعا عجيبا، وهذه المقالات جمعها الرافعي فكانت كتابه وحي القلم .

وقال عنه الزعيم مصطفى كامل : «سيأتي يوم إذا ذُكر فيه الرافعيُّ قال الناس هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان». وقال عنه الأديبُ عباس محمود العقاد بعد وفاة الرافعي بثلاث سنين: “إن للرافعي أسلوباً جزلاً، وإن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كُتَّاب العربية المنشئين” .

 

***

 

إذا كان الشعر موسيقي بطبيعته ، فالموسيقى عنصر أساسي ومُلزِم للشعر يتجلي في الوزن والقافية والإيقاع ، أما الموسيقي بمعناها الغنائي ، فهي نوع من الشعر يغني مصحوباً باصوات لحنية ، وصاحبنا المؤثر الثاني كفيف ، استطاع بموهبته واصراره على النجاح ، وقدراته الموسيقية العظيمة أن يهزم العمي ، ويضرب المثل في الكفاح من أجل غايته وهدفه ليصبح عمار الشريعي أحدى أعمدة الموسيقى فى مصر .

درس عمار على محمد إبراهيم على الشريعي ، أحد أبناء سمالوط ، بمدرسة المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين، ثم حصل علي ليسانس من قسم اللغة الإنجليزية، بكلية الآداب في جامعة عين شمس ، وعمره 22 عاماً .على الرغم من كونه كفيفا، و لم تمنعه أعاقته من ممارسة هوايته في الموسيقي ، فتلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار ، في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصاً للطلبة المكفوفين الموهوبين فى الموسيقى .

وتمكن بمجهوده الذاتي من إتقان العزف على العديد من الآلات الموسيقية: منها البيانو والأكورديون والعود والأورج، ودرس أيضاً التأليف الموسيقي عن طريق مدرسة هادلي سكول الأمريكية لتعليم المكفوفين بالمراسلة، والأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى ، وبدأ مشواره الفني بعد تخرجه كعازف لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية، ثم تحول إلى الأورج، حيث أًعتبر نموذجاً جديداً في تحدى الإعاقة، نظراً لصعوبة وتعقيد هذه الآلة، واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار . في وقت لاحق إتجه “عمار الشريعي” إلى التلحين وتأليف الموسيقى، وقام بتكوين فرقة “الأصدقاء” التي حاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة وخلق غناء جماعي يتصدى لمشاكل المجتمع . بلغ رصيد الموسيقار المصري “عمار الشريعي” حوالي 150 لحناً لمعظم مطربي ومطربات مصر والعالم العربي، كما تميز في وضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية والمسرحيات، والتي نال العديد منها على جوائز على الصعيدين العربي والعالمي .

قدم الشريعي عددا من الأعمال الموسيقية للتليفزيون ، و اهتم أيضاً بأغاني الأطفال وقام بعمل أغاني احتفالات عيد الطفولة لمدة 12 عاماً متتالية، كما صدر قرار وزاري بتعينه أستاذاً غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية ، و نال خلال مشواره الفني العديد من الجوائز والأوسمة ، كما خاض “الشريعي” تجربة التقديم التلفزيوني من خلال تقديم وإعداد برنامج إذاعي لتحليل وتذوق الموسيقى العربية بعنوان “غواص في بحر النغم” وبرنامج “سهرة شريعي” علي قناة دريم الفضائية، كما ساهم مع مؤسسة “Dancing Dots” الأمريكية في إنتاج برنامج “Good Feel” الذي يقدم نوتة موسيقية بطريقة بريل للمكفوفين .

نجاح عمار الشريعي قصة إصرار ونموذجاً للإرادة والقوة والتحدي. التحد للإعاقة وتحويلها إلى قوة إبداعية ، الي نوتاتٍ عزفت سيمفونية من النجاح والتفرد. ليترك لنا أرث فني خالد ، فخلد الشريعي تراثاً موسيقياً ضخماً ، ووضع بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقى العربية .

***

بالإضافة ل الرافعي و الشريعي …. اثنان آخران حرما من نعمة الأبصار ، حققا بالإرادة والإصرار النجاح ..سأحكي عنهما

شاهد أيضاً

المؤثرون والمتأثرون « 6»
إصرار وتحدي « ملك القمر » !

    رغم أن المؤثرين الذين يقومون بنشر المعرفة التي تدفع الناس إلى الكفاح لبناء …