هبطت لنزل الضيافة او الفندق الذي اختاره لى اصدقائي في حين ذهب كلاً منهما لتحية الأهل ، واتفقنا على ان نلتقى عصر اليوم امام سينما السامر التى تقع فى نفس الشارع . الفندق كان من المباني القديمة لم يكن ضمن تصنيف نجوم الفندق ، فتصنيف النجوم للفنادق لم يكن شائعا بعد فى المنطقة العربية ، صغيراً ولكنه هادئ ونظيف ، وفى موقع مميز على مشارف شارع عمر المختار ، وفى بدايته من الناحية الغربية برز مبني دار البلدية بزخارف وتقاسيمه الهندسية الجميلة ، الذي لم يبق طويلاً فى مكانه ، فقد انتقل بعد زيارتنا فى نهاية الستينيات لمبني جديد فى ميدان فلسطين ، وكنت شاهداً على مرحلة من مراحل انشاؤه بواجهته الحجرية تبرز فيها فتحات ذات نوافذ خشبية ويتصدره أحد المدافع الحربية العثمانية القليلة المتبقية من فلسطين التاريخية استخدم فى الحرب العالمية الأولى للدفاع عن المدينة ، وصادف أن العمل توقف فى المبني وهو من معالم قطاع غزة بعد مغادرتنا المدينة مباشرة ، عقب احتلالها من القوات الاسرائيلية فى اجتياح 1967 ، ثم أعيد ترميمه واستكماله عام 1995 في عهد السلطة الفلسطينية . شارع عمر المختار في غزة. مثال حيّ للوُجدان وذكرى وروحٍ حاضرة تمتد من جيل إلى آخر.عمر المختار شخصية أجمع عليها الليبيون والعرب في كل مكان ، عشرون سنة قضاها هذا البطل الاسطوري في مقاومة الاستعمار الإيطالي، ليكتب التاريخ اسمه ويخلده ، بعد أن عاش مقاتلاً وقاد حركة المقاومة ، خطط وحارب ، ليعدم في سن الشيخوخة وهو في عقده الثامن، وفى غزة تواجد اسمه رمزاً الى النضال ، حيث يوجد شارع باسم المناضل عُمْر المختار . الترابط والاحتكاك الليبي الفلسطيني أعمق وأكثر تبادلاً في كل العهود، لأن كل ما يربط المجتمع الليبي والفلسطيني واحد في كل المجالات ، فعندما كان عمر المختار يناضل من اجل تحرير بلاده من براثن الاحتلال الايطالي انضم إليه محمود ومحمد الشامي وهما شقيقان من فلسطين قدما لليبيا وآثرا الدفاع عن الارض الليبية والوقوف معه ضد الايطاليين ، فتحت ليبيا ابوابها للفلسطينيين ، وانضم الكثير منهم في النسيج الليبي وتصاهروا، واضاف الكثير منهم لليبيا في عدة مجالات، خاصة في مجال التعليم والصناعات ، وامتنانا قام أهل غزة بإطلاق اسم شيخ الشهداء عمر المختار على شارع في غزة وشارع في عكا وشارع في نابلس وجامع في يافة الناصرة . فى ساعات الانتظار لعودة صديقي خرجت إلى الشارع تسكعت امام واجهات المحلات المنتشرة وقد تكدست خلفها البضائع فى شارع عمر المختار وهو الشارع الرئيسي في مدينة غزة، المكتظ بالأسواق والحرفيين في شتى المجالات، فهو مثل عمود فقري في جسد مدينة غزة جغرافياً واقتصادياً، ومقصد كل شرائح المجتمع الغزي بمختلف طبقاتها ومستوياتها الاجتماعية ، ويعد شارع عمر المختار من اكبر شوارع غزة الداخلية، واكثرها حيوية وحركة، ويعد سوقًا مركزيًا في غزة علي طول امتداده، إذ يمتد من شرق مدينة غزة من منطقة الشجاعية وينتهي بميناء غزة غربًا، حيث ساحل الشاطئ، ويخترق هذا الشارع وسط المدينة، ويقع في ثلاثة أحياء، الرمال والزيتون والدرج، وتوجد أهم مباني مدينة غزة في هذا الشارع الذي يتحدث عن تاريخ الغزاوية . وصلت بعد ساعتين من التجوال لمكان اللقاء عند مفترق سينما السامر بشارع عمر المختار التى افتتحت زمنالإنتداب البريطاني عام 1944 ، وكانت إلهاماً للعديد من المخرجين والمبدعين ، شاهدة على السينما الفلسطينية التي تمثل إحدى التجارب السينمائية القديمة فى الوطن العربي والشرق الأوسط ، لأجد شموط والحلاج فى انتظاري ومعهم الشاعر معين بسيسو الذي آتي للترحيب والتعارف ، أخذوني للتجوال مررنا من شوارع ضيقه وقديمه في غزه القديمه وكان طوال الوقت يذكروا هنا كان يسكن فلان وهنا كان يسكن علتان ، الدخول إلى تلك الشوارع الجميلة يذكر بعبق التاريخ ، وأناس كانوا يعيشوا اجمل الايام وأحلى لحظات ، وكانت شوارعهم الضيقة تعتبر ارقى الاحياء والشوارع فى قطاع غزة ، يسكنها الكبار والافندية والتجار وابناء العائلات توقف الشاعر معين بسيسو ، ليتساءل هل سيفتخر الجيل الحالي بهذه الثروة التاريخية ؟ ، ويحافظ الجيل القادم مستقبلا على هذه الاثار والحضاره لمدينتنا الجميله غزه . كان معين بسيسو يلقب بشاعر غزة ، ليس لأنه ولد فيها فى حي الشجاعية بغزة ، ونشأ فى رحابها فحسب بل لأنه حملها فى قلبه ووجدانه . كان بسيسو محباً لمصر ، وصديقاً لشعرائها وادبائها ، وجد فى شخصى رائحة مصر ، اهتم ان يحدثني عن مسقط رأسه ليعرفني بها : ” كانت مدينة غزة، التي تعد العاصمة السياسية والاقتصادية لقطاع غزة الساحلي الصغير، عبارة عن كتلة من المباني العمرانية، تتميز بشوارعها الضيقة، والمعوجة لظروف أمنية واقتصادية، لذا لم يكن هناك مخطط هندسي أو رؤى مستقبلية بعينها، لمحاولة توسيع هذه الشوارع، إلا في حقب متميزة كالحقبتين البيزنطية والرومانية، وبقي حال هذه الشوارع الضيقة على ما هي عليه طوال الحقبة العثمانية، وفي أواخر العهد العثماني، وبالتحديد في العقد الأول من القرن العشرين خلال الحرب العالمية الأولى، في سنة 1917م قام جمال باشا السفاح بشق شارع في قلب مدينة غزة، يمتد من جامع الشيخ شعبان إلى منطقة تعرف بسوق العملة، وينطلق من الاحياء القديمة في غزة، وهي منطقة تاريخية تكثر فيها المباني الأثرية، وأدى شق الشارع إلى إحداث مشكلات كبيرة جداً لعامة الشعب، نظراً لتقسيم هذا الشارع لأجزاء متفرقة طالت المنازل والمحال الموجودة في ذلك الحين . إلى ذلك الحين كان يطلق على الشارع اسم الشارع الكبير، ثم أطلق عليه بعد ذلك اسم شارع طريق جمال باشا، نسبة إلى جمال باشا السفاح، قائد الفرقة الرابعة للجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، وظل على هذا الاسم حتى عام 1934م من القرن الماضي، عندما اعتلى رئاسة بلدية غزة فهمي بك الحسيني الذي امتدت رئاسته من سنة 1927م إلى سنة 1939م، وقتها عقد مجلساً بلدياً برئاسته، كان من أهم بنوده تغيير اسم الشارع إلى عمر المختار، نسبة إلى شيخ الشهداء المجاهد الليبي الشهير الذي حارب الاحتلال الإيطالي الفاشستي لمدة عشرين سنة، حتى تم اسره، وشنقه وهو في عقده الثامن، وعارض القنصل الإيطالي في القدس حينها بشدة على هذه التسمية، وحاول جاهداً منع الحسيني من إتمام التسمية، فضلاً عن رفض الانتداب البريطاني لهذا الاسم، لكن الحسيني لم يكترث لهذه الاعتراضات، وظل مصمماً على تغيير اسم الشارع إلى عمر المختار. وفي عام 1946م وُسع الشارع بعد أن كان ضيقاً ومتعرجاً، وشق الشارع من منطقة تقاطع شارع البوسطة إلى الشارع المؤدي لحي الشجاعية كما هو عليه اليوم، فهُدم جزء من باب خان الزيت، وجامع الوزيري، وهما من المعالم الأثرية المميزة لهذا الشارع . حيث اقتطفت منهما أجزاء لصالح الشارع. ومن أهم مآثر هذا الشارع الأثرية: حمام السمرة، الباقي لوقتنا الحالي ويرتاده الغزاويون من كل مدينة وبلدة على امتداد قطاع غزة، وهو حمام أثري تشير الوثائق التاريخية إلى أنه يعود لفترة الحكم العثماني، وأيضا خان الزيت أو البيمارستان، وهو عبارة عن مستشفى، قام بإنشائها منصور قلاوون أحد أشهر سلاطين المماليك، ولكن ما تبقى من آثارها أزيلت في العام 1955م من القرن الماضي، ومن الأثريات المميزة لهذا الشارع أيضًا، البلدية القديمة الجميلة، الموجودة في وسط الشارع، التي بنيت في فترة رئاسة فهمي بك الحسيني، ومن أهم جوامع هذا الشارع العريق، والمسجد العمري قبلة الزوار في شهر رمضان والذي تعود جذوره الى ألف عام، والذي يعد من اقدم معالم الشارع، حيث يمثل تحفة فنية تاريخية ومعلمًا بارزًا من معالم المدينة، واكبر مساجدها وثاني اكبر مسجد في فلسطين من حيث المساحة بعد المسجد الاقصى المبارك، وفي قلب الشارع يقع واحد من اشهر ميادين غزة وهو ميدان فلسطين، يتوسطه تمثال يجسد طائر العنقاء، وهو طائر اسطوري لدى الكنعانيين يولد من جديد بمجرد ان يموت، والعنقاء اليوم الى جانب كونه تمثالا بهذا الشارع قد اتخذ شعارًا لمدينة غزة التي تتعرض للدمار كل حربٍ وتعود لتنهض من جديد، ولبلديتها التي يعد مبناها أيضًا واحدًا من شواهد التاريخ، وتوجد فيه الآن دائرة الهندسة والتخطيط التابعة لبلدية غزة، وكان سابقًا مقر لبلدية غزة. تأخر الوقت ، وكان لابد أن تتوقف جولتنا فى اليوم الاول ، فقد اصابنا الجهد بعد يوم سفر طويل وكان لابد أن يتوقف شاعرنا عن الكلام المباح … لنكمل جولتنا فى يوم آخر … والحكى فى مقال آخر .
مودي حكيم