كما أن للعملة وجهين، كذلك يحمل الذكاء الاصطناعي تأثيراً مزدوجاً على البيئة، فمن جهة يُستخدم للحد من التغير المناخي عبر ابتكارات متطورة تساعد في تتبع التلوث، وتحسين الزراعة، وإدارة الموارد بكفاءة، لكنه في المقابل يستهلك كميات هائلة من الطاقة والمياه، وينتج نفايات إلكترونية وانبعاثات كربونية مدمرة.
يسهم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التغير المناخي عبر أدوات متطورة قادرة على مراقبة التغيرات المناخية، إذ يستطيع تحليل بيانات الأقمار الصناعية لقياس التغيرات في الجبال الجليدية بدقة تفوق قدرة الإنسان بـ10,000 مرة، ما يساعد في تتبع ذوبان الجليد وانعكاساته على مستويات البحار.
كما أن رصد إزالة الغابات يعتمد على صور الأقمار الصناعية لرسم خرائط تُحدد معدلات إزالة الغابات وكميات الكربون المخزنة، ما يعزز جهود الحد من التصحر.
ويسهم بشكل كبير في تحسين إدارة النفايات، حيث يساعد في جعل إدارة النفايات أكثر كفاءة عبر التنبؤ بأماكن تراكمها وتوجيه عمليات جمعها بشكل أفضل.
وكذلك التنبؤ بالكوارث المناخية، فيستخدم الذكاء الاصطناعي لتوقع موقع وزمان وقوع الكوارث الطبيعية، ما يمكن الحكومات والشركات من الاستعداد لها وتقليل آثارها.
كما أن إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة من أهم فوائد الذكاء الاصطناعي، حيث يدعم الصناعات مثل التعدين والنفط والغاز في تتبع انبعاثاتها وتقليلها، ما يسهم في تحقيق أهداف الاستدامة.
رغم هذه الفوائد، فإن الذكاء الاصطناعي يترك بصمة بيئية سلبية ضخمة، تتجلى في الاستهلاك الهائل للطاقة، فقد استهلكت مراكز البيانات 1.4% من الكهرباء العالمية عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 3% بحلول 2030، أي ما يعادل استهلاك فرنسا وألمانيا مجتمعتين، وفقاً لدراسة أجرتها شركة ديلويت.
كما يتسبب الذكاء الاصطناعي في نقص الكهرباء، وبحسب شركة غارتنر، فإن 40% من مراكز البيانات التي تخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد تواجه نقصاً في الطاقة بحلول 2027 بسبب الطلب الهائل.
إضافة إلى استنزاف الموارد المائية، إذ يستهلك الذكاء الاصطناعي كميات ضخمة من المياه لتبريد أجهزته، حيث يُتوقع أن يتراوح استهلاكه بين 4.2 و6.6 مليار متر مكعب بحلول 2027، ما يعادل استهلاك الدنمارك لعدة سنوات.
فضلاً عن التلوث بالنفايات الإلكترونية الذي يسببه الذكاء الاصطناعي، ففي عام 2023، أنتج الذكاء الاصطناعي التوليدي نحو 2600 طن من النفايات الإلكترونية، ومن المتوقع أن تصل إلى 2.5 مليون طن بحلول 2030، أي ما يعادل 13.3 مليار هاتف ذكي.
تحاول الشركات الكبرى مواجهة هذه التحديات عبر التحول إلى الطاقة المتجددة. التزمت «غوغل» و«مايكروسوفت» بتشغيل عملياتها باستخدام طاقة نظيفة بنسبة 100% بحلول 2030.
يؤكد جمال المحاميد، المدير التنفيذي لشركة بالميرا لنظم الحاسب الآلي، أن «التحول نحو الطاقة المتجددة أمر حاسم لتقليل البصمة الكربونية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، لكن المطلوب هو خطوات أكثر جرأة لضمان الاستدامة».
ويضيف المحاميد أن الحل لا يكمن فقط في الشركات، بل يقع جزء كبير من المسؤولية على المستخدمين الذين يجب أن يوجهوا استخدام الذكاء الاصطناعي نحو الفائدة بدلاً من الاستهلاك غير المبرر الذي قد يحرق كوكبنا.
يبقى الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذا حدين؛ يمكن أن يكون أداة لإنقاذ البيئة أو عاملًا في تدميرها، المستقبل يعتمد على مدى قدرتنا على تسخيره بشكل مسؤول لضمان استدامة الأرض للأجيال القادمة.