
كاتب وصحافي لبناني
يتفق معظم علماء البيئة والباحثين في تأثير الاستهلاك الغذائي على التغيّر المناخي على أن الأهداف العالمية للحد من تلك الظاهرة لن تتحقق من دون معالجة تصاعد الاستهلاك الغذائي العالمي للمنتجات الحيوانية.
وجاء في تقارير حديثة أن 83 في المئة من الأراضي الزراعية حول العالم تستخدم اليوم لإنتاج اللحوم وتربية الأسماك وثمار البحر وإنتاج البيض وجميع مشتقات الألبان. وعلى رغم هذه المساحة الواسعة من الأرض التي تستنفدها هذه الصناعة إلا أنها لا توفر إلا 18 في المئة من السعرات الحرارية العالمية و37 في المئة من إنتاج البروتين العالمي. على رغم استهلاك تربية الحيوانات الداجنة لمساحة واسعة من الأرض وكمية كبيرة من المياه، وعلى رغم أن انبعاثات غاز الدفيئة منها تشكل ضرراً فعلياً على البيئة العالمية، إلا أن الحكومات حول العالم تتعامل مع الموضوع وكأنه غير موجود، ولم تضع أي منها برامج زمنية لمعالجة المشكلة المتمثلة باستهلاك المنتجات الحيوانية. بل وعلى العكس فالقيود التشريعية البيئية في الولايات المتحدة استبعدت مزارع الحيوانات ومصانع الإنتاج التابعة لها من الإبلاغ عن انبعاثاتها ونفاياتها. حتى اليسار الأميركي التقدمي، بالكاد اعترف بالدور الذي تلعبه الزراعة الحيوانية في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.
أدى شغف الشعب الأميركي بلحم البقر إلى فقدان الحزب الديمقراطي سيطرته على الكونغرس عام 1946 في الانتخابات التي عرفت باسم “انتخابات لحم البقر”. كان الرئيس ترومان قد فرض حينها أسعاراً للحوم أدت إلى نقص توافرها في الأسواق، ما دفع الناخبين الديمقراطيين إلى عدم الإقبال على التصويت، اعتراضاً. وفي عام 2020 تعرضت حملة كامالا هاريس للانتقاد لمجرد إشارتها للموضوع، وكان عنوان حملة الجمهوريين على هاريس بأنها “أخذت الهامبرغر بعيداً”. أما خارج الولايات المتحدة، فتباين تفاعل الناخبين مع السياسات الوطنية للحد من استهلاك اللحوم. في ألمانيا، مثلاً، انخفض الاستهلاك بشكل كبير منذ عام 2020، ويرجع ذلك إلى الاهتمام السياسي على مستويات عليا بين أصحاب القرار في ألمانيا. أما في هولندا فقد قوبلت خطط الحكومة لخفض عدد الماشية في البلاد بمقدار الثلث بمعارضة قوية من المزارعين، ما أدى إلى فوز كاسح لحزب صغير مؤيد للمزارعين في الانتخابات المحلية عام 2023، على رغم أن الحزب الحاكم الليبرالي كان مناصراً للمطالب البيئية.
وواجه سياسيون إسبان وفرنسيون في عام 2022 ردود فعل عنيفة بسبب ربطهم استهلاك اللحوم بالأزمة البيئية. قبل ذلك وفي عام 2012 ألغت الحكومة الدنماركية “ضريبة الدهون” بعد عام واحد من فرضها على منتجات اللحوم والألبان بسبب تداعيات الضريبة سلباً على القطاعين العام والخاص. وهذا على رغم أن الاهتمام السياسي الكبير بالآثار السلبية لوسائل النقل التقليدية مثل السيارات على تغير المناخ أدى إلى تغييرات ملموسة وزيادة في التمويل العام لتطوير البدائل وتوسيع نطاقها في جميع هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
علم نفس الجماهير يبحث عن لحوم السياسة
دفع تغييب هذا الجزء المهم من حجم الاقتصادات الوطنية عن برامج المرشحين السياسيين، الباحث في علم نفس السياسة والأستاذ في قسم السياسات الحكومية في جامعة هارفرد، سبارشا ساها، لإجراء دراسة تكشف سبب غياب اقتصاد المواشي واللحوم وصناعاتها والمشتقات الحيوانية عن البرامج السياسية والنقاشات العامة التي تدور قبيل الانتخابات عموماً. وأجرى الباحث استطلاعاً بين عدد كبير من الناخبين الأميركيين لتبيان موقفهم من المرشحين الذين يهتمون بموضوع تقليل استهلاك اللحوم لأسباب بيئية، وتبين له أن قسماً كبيراً من الناخبين الأميركيين يظهرون عدم اهتمام بهؤلاء المرشحين، ما يشرح سبب ابتعاد السياسيين عن تناول هذا الموضوع.
Independent News
مجلة 24 ساعة