يسري حسان.
منذ تسع سنوات، وعندما أطلق المخرج الشاب مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي الدورة الأولى للمهرجان في المدينة السياحية الأشهر في مصر، لم يكن أحد يتوقع أن يستمر المهرجان طويلاً، بخاصة أن المدينة المخصصة للراحة والاستجمام لا توجد فيها مسارح أصلاً.
لم يكن البعد الثقافي حاضراً في المدينة الترفيهية، لكن المهرجان، وبإصرار مؤسسه، أوجد هذا البعد، وجعله حاضراً بقوة، فما كادت الدورة الثالثة تنعقد، حتى انتبه المسؤولون الرسميون إلى الأمر، وأنشأت وزارة الثقافة قصراً للثقافة ومسرحاً كبيراً، إضافة إلى مسرح مكشوف في الساحة الخارجية للقصر، مما نتج منه تكوين عدة فرق مسرحية، تم تشكيلها من أهالي المدينة والعاملين بها، وبات نشاط المسرح حاضراً في المدينة.
وإذا كان حضور العروض المسرحية، في غالبية المهرجانات، مقصوراً على ضيوف المهرجان والمهتمين بالمسرح في المدينة التي يقام بها، فإن دائرة مشاهدي عروض مهرجان شرم الشيخ، اتسعت لتشمل زائري المدينة من السائحين الأجانب، بخاصة أن المهرجان يستضيف عروضاً من مختلف دول العالم. استضاف عبر دوراته عروضاً من فرنسا وألمانيا واليونان وإسبانيا وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية وبولندا وإيطاليا وكندا والهند والمكسيك، فضلاً عن دول عربية منها: السعودية والإمارات وتونس وسوريا ولبنان وليبيا والعراق والأردن وفلسطين والجزائر والمغرب، وغيرها من الدول. كما حرص المهرجان على إقامة عروض مسرح الشارع والفضاءات غير التقليدية، وبعض عروض المونودراما في ساحة السوق القديم التي يفد إليها آلاف السائحين يومياً، فضلاً عن وجود قصر الثقافة، بمسرحيه، على بعد خطوات من سوق المدينة، مما يتيح فرصة المشاهدة لجماهير كبيرة، ومتنوعة من زائري شرم الشيخ.
اكتسب المهرجان عبر دوراته ثقة عديد من المؤسسات الرسمية والأهلية التي أصبحت راعية وداعمة له، ومنها وزارة الثقافة المصرية ووزارة السياحة والآثار ومحافظة جنوب سيناء، التي تقع بها مدينة شرم الشيخ، والهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، وبلدية ظفار العمانية، والهيئة العربية للمسرح، والمعهد الثقافي الإيطالي، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والهيئة الدولية للمسرح، ومسرح الشارقة الوطني، والمجلس الأعلى للثقافة، وقطاع الإنتاج الثقافي، وصندوق التنمية الثقافية، وجمعية المسرحيين العمانية، وغيرها من المؤسسات.
مسارات متنوعة
في دورته التاسعة من الـ15 حتى الـ20 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري بدا مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، أكثر قوة وتنوعاً، في مساراته التسابقية، وورشاته التدريبية، إذ شملت مسابقاته أربعة مسارات: العروض الكبرى وعروض الطفل وعروض المونودراما وعروض الشارع والفضاءات غير التقليدية.
وفضلاً عن العروض المسرحية التي بلغ عددها 17 عرضاً، في المسارات الأربعة، مثلت دولاً عدة، منها: مصر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وإقليم كردستان وفرنسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وكوسوفو وليبيا، نظم المهرجان ثلاث مسابقات، الأولى للبحث العلمي (مسابقة أبو الحسن سلام)، والثانية للعمل الإخراجي الأول (مسابقة المخرج عصام سيد)، أما الثالثة فهي للكتابة المسرحية (مسابقة فاطمة المعدول).
في مسابقة فاطمة المعدول للتأليف المسرحي فاز محمد علي إبراهيم عن نص “نزيل الجنة” وأحمد سمير عن نص “الذباب” فئة النصوص الطويلة، أما فئة النصوص القصيرة، فحصل على الجائزة محمد عبدالوارث عن نص “القطار” والأمير حيدر عبدالله، عن نص “ألف ليلة و…”، أما مسابقة نصوص المونودراما فحصل عليها عبدالمنعم بن السايح عن نص “المحرفة” ونوال محمد العدل عن نص ” تم التشويه بنجاح”، وفي نصوص مسرح الطفل فاز أمجد زاهر عن نص “سر الغابة العجيبة” ورؤى عصام عبدالله، عن نص “مملكة الإيموجي” وفازت بجائزة مسابقة أبو الحسن سلام للبحث العلمي، هبة رجب عمر، عن بحثها “الخطاب الأخضر في مسرح الطفل المعاصر من منظور الموروفولوجيا البيئية الاصطناعية”.
وعلى رغم أن مسابقة عصام السيد للعمل الإخراجي الأول مخصصة لفائز واحد، ونظراً إلى تميز عدد من المخرجين الشباب، فقد ذهبت الجائزة هذه الدورة إلى خمسة مخرجين: محمود الحسيني عن “ماكبث المصنع” في المركز الأول، ويوسف مراد منير في المركز الثاني عن “ياسين وبهية” ومحمد شاكر، الثاني مكرر، عن “حديث الصباح والمساء” ومحمد رضا، الثالث، عن “حياة شخص ما”، وفي المركز الثالث مكرر ساندرا سامح ميلاد، عن “سوء تفاهم”.
ندوات ومناقشات
حرص المهرجان على إقامة ندوات للفائزين بالجوائز في حضور لجان التحكيم، إذ تحدث كل فائز عن تجربته، وجرت مناقشات ثرية حول هذه الأعمال، كما حرص المهرجان على نشر النصوص الفائزة ضمن مطبوعاته، التي شملت أيضاً كتاباً عن المخرج الراحل جلال الشرقاًوي، الذي حملت الدورة اسمه، أعده مدحت الكاشف، أستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
لم تقتصر ندوات المهرجان على الفائزين فحسب، بل شملت أيضاً المكرمين، الذين تم تخصيص ندوات لهم للحديث عن مسيرتهم الإبداعية، وهم: الفنان سيد خاطر أستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأحمد بو رحيمة مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان المصري علاء مرسي، والبروفيسور ميخائيل غوريفوي من روسيا، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة السورية حلا عمران، وسعيد السيابي أستاذ المسرح بجامعة قابوس العمانية، والمخرج المصري محمد جبر، والفنان السوري ممدوح الأطرش.
تنوعت ورش المهرجان التدريبية، إذ شملت ورشة الممثل بين السينما والمسرح للبروفسير ميخائيل غوريفوي، وورشة التواصل بالارتجال وجهات نظر مختلفة للكوري الجنوبي غون ونغ سون ماستر كلاس التعاون الدولي في مجال الفنون الأدائية، للمنتج ليفان خيتاغوري من جورجيا، وورشة البانتومايم للفنان المصري أحمد نبيل، ورشة مسرح الطفل هوية الطفل المصري والعربي للمدربة التونسية صابرين شعباني، وورشة رحلة الأطفال إلى عالم المسرح للمدربة والممثلة اللبنانية مروة قرعوني، ماستر كلاس الممثل بين السينما والمسرح، للفنان المصري أحمد وفيق.
جوائز العروض
أفصح المهرجان عن تجارب مسرحية لافتة، وجاء غالبيتها متمرداً على التقاليد المسرحية الراسخة، وهو ما عكسته جوائز لجان التحكيم، ففي مسابقة العروض الكبرى حصل عرض “مئة وثلاثون قطعة”، مصر، على جائزة أفضل عرض متكامل، كما حصل عرض “انعكاسات”، سلطنة عمان، على جائزة أفضل نص، وحصل على أفضل ممثل رجال مناصفة، محمد العجمي عن عرض “انعكاسات” وشريف عمر عن عرض “اصطياد” من الإمارات العربية المتحدة، وجاءت جائزة أفضل ممثلة مناصفة بين ماريانا إليزابيث، من إيطاليا، وحمدة الفزارية، من سلطنة عمان، وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لعرض “هاملت” إيطاليا.