تناوب على عمادة “كلية الاعلام ” في جامعة القاهرة، من كان لهم الفضل في وضع ركائز الدراسات الاعلامية, وهم من قامات البلاد،فهماً، واطلاعاً، وثقافة، وتنوراً. في مقدمهم سمير حسين ، ومختار التهامي، وجيهان رشتي، وفاروق أبو زيد، وعلي عجوة، وماجي الحلواني، وليلي عبد المجيد، وسامي عبد العزيز، وحسن عماد مكاوي، وجيهان يسري ، هبه السمري ، و هويدا مصطفي ،والعد والتعداد لا ينتهي هنا.
تولى الكتور سمير محمد حسين عمادة الكلية, ،سنوات ثلاث، ورئاسة القسم 11 عاماً، خلفه فى العمادة، والمسؤولية، الدكتور مختار محمد التهامي ، وبعد انتهاء مدة توليه العمادة، جدد له سنوات ثلاث أخرى.
كان الدكتور التهامي، رحم الله روحه، واحد من االرواد، الذين تركوا أثراً عميقاً على طلابهم ، فنهجمه، التدريسي متميز ويشار بالبنان الى الذين تخروج عليه، وتوزعواعلى ميادين الإعلام المكتوب والمسموع والمشاهد، فأبلوا ، وبرزوا، وطوروا ، وتفوقوا، كل في المجال لذي عمل فيه.
ولم يتوقف نشاط الدكتور التهامي على الإدارة والتدريس، فأنصرف الى وضع دراسات حول الرأي الرأى العام ، اعتبرها الثقاة من الباحثين، أنها الأولى من نوعها في مصر، والعالم العربي.والعالم العربى… كما أنه وضع المدماك الأول للمدرسة النقدية فى الإعلام فحلل، مبكرًا آليات استخدام الإعلام ، والدعاية فى الحرب النفسانية ، والتضليل الإعلامى، وكان أول من نَبَّهَ إلى خطورة هيمنة الدولة وسلطة الرقابة فيها ،أو، رجال المال الأعمال، على ما سماه “الفضاء الإعلامي“، وقد اعتمد مدخلاً مهمًا لتعريف الرأى العام ، تأثر فيه، بلا شك، بالمدرسة النقدية التي راجت في الغرب، حيث يرى أن الرأي العام في المجتمع هو رأي” الأغلبية الواعية“، وليس “الأغلبية العددية “فى المجتمع .
الى ذلك كله،شارك في إرساء وتطوير تقاليد وأعراف العمل الجامعي، وفي وضع نظم العمل بكليات الإعلام ، وكانت له الباع الطولى في تطوير، وتحديث بنية التشريعات المصرية التي تنظم حقل الدراسات الإعلامية وعمل أجهزة الإعلام.
فكرمته مصر، عن استحقاق وجدارة، فمنح وسام العلوم و الآداب والفنون عام 1988.
***
بدأ مختار محمد التهامي، الكتابة في مرحلة مبكرة، أثناء الدراسة الجامعية، وقد استهوته الكتابة للأطفال، كان في التاسعة عشر من سنيه، عندما فنشر ثلاث قصص بين دفتي كتاب عنونه:“الفارس المسحور” ، وقعه بإسم “آبيه مختار“، رغبة منه في أن يشعر الطفل القارىء، بأن الكاتب هو مجرد “اخ أكبر” له بروي له “حدوته” .
في كتابته الذاتية, ، جمع خبراته، وتصوراته، وتجربته ، وفلسفته في الحياة ، في كتاب: “الفليسوف الصغير” ضمنه ذكرياته، منذ أن بلغ الحلم ، حتى المرحلة الجامعية ، بأسلوب صادق ، ماتع، مشوق ، رتب وعرض فيه
أفكاره ، وعواطفه، تجاه المرأة ، والأسرة ، والمجتمع ، والدين، والحياة، و…الموت.
خلال مسيرته العلمية ، والاأكاديمية ، والفكرية قدم الدكنور مختار التهامي للمكتبة العربية العديد من الاسهامات المتميزة من خلال خمسة عشر كتابا و دراسة وبحثا من أهمها ” الصحافة و السلام العالمي ” .
أما حياته الأكاديمية والمهنية , فقد بدأها مدرساً في المعهد العالي للفنون المسرحية ، ثم في قسم الصحافة في كلية الآداب. وانتقل الى الصحافة المتخصصة، فعمل مستشاراً في قسم تحرير “المجلة المصرية لبحوث الاتصال“، ثم، “المجلّة المصرية لبحوث الرأي العام“، ليترأس بعدها تحرير بعض المجلات الجامعية في كلية الإعلام ، و جامعة اليرموك، و جامعة بغداد.
شارك في تأسيس أقسام الإعلام في العديد من الجامعات العربية وفي مقدمتها جامعتا بغداد واليرموك.واسهم في تأسيس “هيئة خريجي الصحافة“ ( جامعة القاهرة) ، بالإشتراك مع الدكتور عبد اللطيف حمزة ، و الدكتور خليل صابات بعد وفاة هذا الأخير، تولى الدكتور تهامي رئاسة هيئة الخرجين حتى وفاته.
أشرف على إدارة “مركز بحوث الرأي العام ” في جامعة القاهرة, وكان ، أيضاً، عضواً في “مجلس إدارة الهيئة العامة للاستعلامات“، ومقرراً للجنة الدائمة لترقية أساتذة الإعلام في المجلس الأعلى للجامعات، و عضوا في “المجلس العلمي لجهاز قياس الرأي العام“، في “المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية“، ولفترة كان عضوا في
“مجلس جامعة القاهرة“، و“ المجلس القومي للثقافة و الفنون و الآداب و العلوم.
وحدث أن أوفد في مهمة علمية لمنظمة “اليونيسكو“ لمدة عامين ، واختارته ا تلك المنظمة الدولية،مستشارا لها في مهمة علمية بوزارة الإعلام العمانية . عمل كأستاذ زائر في أربع جامعات عربية: “جامعة أم درمان الإسلامية“، و“جامعة بغداد“، و“جامعة اليرموك“، و“جامعة قطر“.
شارك، وخطط ، وأشرف، على العشرات من المؤتمرات و الدورات التدريبية التي نظمتها“اليونيسكو “، و كان ممثل مصر في اجتماعات “المجلس الحكومي الدولي للبرنامج الدولي لتنمية الاتصال” في العاصمة الفرنسية باريس .
***
عندما شرعت فى الكتابة عن محمد مختار التهامي ندما شرعت فى الكتابة عنه ، لم أجد ابلغ من كلمة كتبها تلميذه الدكتور محمد شومان، عميد كلية الإعلام في الجامعة البريطانية عن رحيل استاذه ” ، ونشرتها “جريدة اليوم السابع يوم السبت الموافق التاسع من ديسمبر سنة 2017 تحت عنوان “أستاذي مختار التهامي“، ها هنا بعض ما جاء فيها:
“هربت من نفسى قرابة الأسبوعين حتى لا أكتب عن أستاذى مختار التهامى الذى أشرف على فى إعداد رسالتى للدكتوراه، واقتربت منه إنسانيًا وعلميًا، وتعلمت منه الكثير، لكن بعض الأصدقاء عاتبونى وطلبوا منى أن أكتب، وها أنا أكتب، ولكن ليعذرنى هؤلاء الأصدقاء، وأسرة الفقيد عن أى بؤس أو تقصير فيما كتبته، فمن الصعب أن أكتب عن حياته وخصاله أو مسيرته المهنية فى التدريس والبحث العلمى، فالراحل كان عالمًا جادًا ومخلصًا لوطنه وعلمه وعروبته بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد وتحديات، وبالتالى زهد فى مُتع الحياة أو البحث عن السلطة والمال، أو الظهور الإعلامى. وهب حياته وعلمه لخدمة الوطن والدعوة للعدالة الاجتماعية والسلام العالمى، فكان أقرب إلى الفكر الاشتراكى الملتزم بقيم الوطنية والإسلام، وكان أحد دعاة التعايش بين الشعوب والحضارات، وضد خطابات الكراهية والحروب فى العالم. وكانت هذه القيم والمثل العليا تحركه وتؤطر كتاباته منذ كتابه الأول ”
لم يكن الدكتور محمد شومان وحده أحد ثمار الغرس الطيب ، فقد أشرف الدكتور التهامي على عشرات رسائل الماجيستير و الدكتوراه على مدى زمني يقارب النصف قرن، أعدها طلاب من العديد من الدول العربية شملت العراق،
و السعودية، و الأردن، و الإمارات ،كما اتسعت هذه الرسائل و البحوث لتشمل دراسات عن الصحافة، و التليفزيون ،
والإذاعة، ووكالات الأنباء، والسينما، و العلاقات العامة، والرأي العام.
من تلامذة التهامي الذين حصلوا على الدكتوراه بترتيب الحصول على هذه الدرجة من 1972 حتى عام 1997 الدكاترة : محمد السيد محمد ، فاروق أبو زيد ، ماجي الحلواني ، منى الحديدي ، جرجس زكريا ، وجيه سمعان ، راجية قنديل ، نجوى الفوال ، حازم عبد العظيم ، صلاح عبد اللطيف ، غازي زين عوض الله ، فرج الشناوي ، عبد الله النويس ، صباح ياسين ، سعيد عبده نجيده ، محمد شومان ، آمال المتولي ، كمال قابيل ، إبراهيم عبد اللطيف ، جمال عبد
العظيم ، سلام عبده .
***
خمسة وثمانون عاماً مرت هذا العام منذ شارك الرواد من اساتذة الأعلام فى تدريس الصحافة وخلق جيل من الصحفيين سنكمل الحديث عنهم.
مودي حكيم