أعلنت البحرية الأميركية قبل بضعة أيام أنها تجري اختبارات مكثفة قبيل بدء اعتمادها الرسمي على الإنترنت الفضائي عالي السرعة في سفنها الحربية السطحية. وتأتي هذه الخطوة المهمة بموجب مبادرة تسمى “SEA2” تستخدم الأقمار الاصطناعية من شبكة “ستارلينك” التي تديرها شركة “سبايس إكس” وموفري الإنترنت الفضائي عريض النطاق الآخرين للحفاظ على اتصال إنترنت ثابت ومتسق للبحارة.
ويحدث ذلك بعد أن اعتمدت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” لعقود من الزمن على شبكة من الأقمار الاصطناعية القديمة زودت أفراد البحرية بإمكانية الوصول إلى الإنترنت البطيء، بالتالي توفر مجموعات الأقمار الاصطناعية الفضائية التجارية الجديدة مثل “ستارلينك” و”يوتيلسات” و”ون ويب” التي يقدر عددها بالآلاف تغطية من مدار منخفض واتصالاً سريعاً وموثوقاً.
سرعة استثنائية
وبحسب ما كشفته قيادة أنظمة حرب المعلومات البحرية الأميركية، تسمح المبادرة الجديدة للسفن الحربية بالوصول الآمن إلى الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض بسرعة اتصال متوسطة تراوح ما بين 30 و50 ميغابايت في الثانية، ومع تثبيت هوائيات “ستارلينك” الإضافية، يمكن للنظام التوسع إلى سرعات 1 غيغابايت في الثانية.
وتضيف قيادة أنظمة حرب المعلومات البحرية الأميركية أن حاملة الطائرات “يو أس إس أبراهام لينكولن” أصبحت متصلة رسمياً بأقمار “ستارلينك“، في وقت تمت فيه إعادة توجيه حاملة الطائرات والمجموعة القتالية المرتبطة بها إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران.
فيما أشارت وزارة الدفاع الأميركية في أبريل (نيسان) الماضي إلى أنها تقيم استخدام الإنترنت الفضائي على متن سفينتين حربيتين بهدف نشر قدرات توفير النطاق العريض عبر أسطول يصل عدده إلى 200 سفينة في المستقبل.
القدرة على التواصل
بدأت تجارب استخدام الإنترنت الفضائي على السفن الحربية في مراحلها الأولية العام الماضي على حاملة الطائرات “يو أس أس جيرالد فورد”، وأثبتت أنها توفر للبحارة القدرة على التواصل بسرعة وسهولة مع ذويهم بمعزل عن مكان وجودهم في العالم، وهو ما يمثل دفعة معنوية كبيرة وسط الحياة المملة في البحر، حتى إن الإنترنت الفضائي سمح لمئات البحارة بالاستمتاع ببث مباشر لمباريات كرة القدم وبجودة عالية.
وقد أصدرت البحرية الأميركية بياناً حينها يشرح فوائد استعانتها بالإنترنت الفضائي وجاء فيه، “إن القدرة على التواصل مع الأصدقاء أو العائلة تتيح لبحارتنا فرصة الاسترخاء لبضعة دقائق، وهذا بدوره يسمح لهم بالقدرة على العمل بكفاءة أكبر، وفوائد اختباراتنا للإنترنت الفضائي كبيرة إذ إنها تتيح للبحارة دفع فاتورة عبر الإنترنت، أو حضور فصل دراسي عبر الإنترنت، أو حتى مشاهدة المباريات، وكل هذا يعطي لبحارتنا فرصة الوصول إلى شيء يخفض مستوى التوتر لديهم، ومن ثم العودة إلى العمل بعد استراحة سريعة بتركيز أكبر وقدرة على إكمال المهام المحددة”. إلى جانب التطبيقات التي تعزز الروح المعنوية، تقول البحرية الأميركية، إن لهذه المبادرة فوائد كبيرة للتطبيقات التكتيكية والتجارية التي يستخدمها البحارة على أساس يومي، ومعظم هذه التطبيقات تعمل على مستويات تصنيف أعلى ومشفرة، لكنها لا تزال مصممة للعمل على الإنترنت التجاري من دون تعريض أمن المعلومات للخطر.
وتشدد البحرية الأميركية على أن اعتمادها على الإنترنت الفضائي يمثل قفزة كبيرة إلى الأمام في التكنولوجيا البحرية، والتي تم تصورها في الأصل كحل لفجوة حرجة في اتصال الأسطول، وهي بصدد نشره عبر كل سفينة تابعة للبحرية مما يعد بتوسيع فوائدها لتشمل مجموعة أوسع من أفراد البحرية والعمليات.
ثورة في مجال الاتصالات البحرية
على مدى العقود الثلاثة الماضية، اعتمدت اتصالات سفن البحرية الأميركية على أقمار اصطناعية تابعة لوزارة الدفاع، التي تدور على ارتفاع 22300 ميل فوق الأرض في مدارات ثابتة جغرافياً، وأدت هذه المسافة على رغم توفيرها منطقة تغطية واسعة إلى بطء معدلات البيانات بسبب طول وقت انتقال الإشارة بين القمر الاصطناعي والسفينة.
ووصلت البحرية الأميركية في مارس (آذار) 2020، إثر القيود التي فرضت على موانئ السفن بسبب جائحة كورونا وتسببت بعزل السفن عن العالم، إلى قناعة بوجود حاجة ملحة لتحسين الوصول إلى الإنترنت. ولمعالجة هذه المشكلات، لجأت البحرية إلى الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض لتوفير اتصال أكثر قوة وموثوقية، مما يضمن بقاء السفن متصلة حتى في ظروف معزولة.
ومع وجود أقمار اصطناعية مثل “ستارلينك” و”ون ويب” تعمل على ارتفاع يراوح ما بين 375 و750 ميلاً فوق الأرض ويبلغ عددها نحو 7 آلاف، لجأت البحرية الأميركية لهذا الخيار كون هذه الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض قريبة من الأرض، وهذا ما يقلل من وقت انتقال الإشارة بالتالي يعزز معدلات البيانات والاتصال.
وقالت البحرية الأميركية، إن استخدام الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض للاتصالات البحرية يتطلب التغلب على ثلاثة تحديات رئيسة ألا وهي إنشاء قدرات الربط المتقاطع بالليزر للاتصال بين الأقمار الاصطناعية، وإنشاء رابط هابط للاتصال بالموقع الساحلي، وتطوير رمز تنقل للحفاظ على اتصال الأقمار الاصطناعية أثناء عبور السفن للمحيطات.
وقد تم تكليف مكتب “تنفيذ البرنامج للقيادة والتحكم والاتصالات والحواسيب والاستخبارات” بمعالجة هذه التحديات، وكانت النتيجة بناء محطة الأقمار الاصطناعية غير الثابتة القابلة للنقل، وهو نظام يوفر وصولاً آمناً إلى الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض بمعدل إنتاج يراوح ما بين 30 و50 ميغابايت في الثانية.
وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تعمل سرعة وقدرات المبادرة على تحسين المزايا التكتيكية بصورة أكبر، ويجري حالياً العمل على مبادرات أهمها “Flank Speed Edge”، وهو نظام حسابي قادر على نقل تيرابايت من البيانات إلى المستخدمين على متن السفن، مما يبشر بتوسيع فوائد حل الاتصال الثوري في أسطول البحرية الأميركية.
تحديات أقمار “ستارلينك”
وعلى رغم الفوائد الإيجابية التي ذكرناها آنفاً، يتطرق بعض الخبراء لبعض التحديات التي يفرضها الإنترنت الفضائي وخصوصاً أقمار “ستارلينك” التي يعدونها بعيدة كل البعد من كونها نظاماً مثالياً وخصوصاً للتطبيقات العسكرية المحتملة، وخير دليل على ذلك اتهام أوكرانيا وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية بشن هجمات إلكترونية واسعة النطاق للوصول إلى البيانات من مجموعات أقمار “ستارلينك” التي أثبتت أهميتها للبنية التحتية للاتصالات العسكرية الأوكرانية منذ بدء الهجوم الروسي عام 2022، مضيفة أن هناك نقاط ضعف كبيرة في الأجهزة عرضت محطات “ستارلينك” للخطر على أيدي قراصنة روس متمرسين.
والأمر الأكثر أهمية هو مسألة ملكية الملياردير الأميركي إيلون ماسك لـ”ستارلينك”، إذ رفض هذا الأخير في سبتمبر (أيلول) 2022 السماح لأوكرانيا باستخدام مجموعة أقماره الاصطناعية لشن هجوم مفاجئ ضد القوات الروسية في شبه جزيرة القرم، وتالياً أثار مخاوف بين صناع القرار في وزارة الدفاع الأميركية من أن يؤثر مستقبلاً بصورة كبيرة على العمليات العسكرية الأميركية خلال أي صراع من طريق إيقاف الوصول إلى أقمار “ستارلينك”.
ونظراً لهذه الأخطار المحتملة، فمن غير المرجح أن تشهد شبكة “ستارلينك” تكاملاً أعمق مع الأنظمة التكتيكية الرئيسة التي تحكم تشغيل السفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية.
Independent News