في يوم افتتاح عرض فيلم “فضائيون” Aliens للمرة الأولى في الـ18 من يوليو (تموز) من عام 1986، انطلق المخرج جيمس كاميرون والمنتجة غيل آن هيرد، اللذان كانا زوجين حينها، في جولة عبر صالات السينما في لوس أنجليس، ليشهدا تفاعل الجمهور مع فيلمهما. أحد العروض التي حضراها منتصف الليل في هوليوود بوليفارد كان تجربة لا تنسى على وجه الخصوص. تخبرني هيرد اليوم: “كان الأمر أشبه بركوب لعبة الأفعوان في مدينة ملاه، كان الجمهور يصرخ ويتفاعل بحماس… كنا نتوقع رد فعل قوياً، لكننا لم نتخيل أبداً أن يصل إلى هذا المستوى من الجنون”.
على كل حال، كان عشاق السينما على علم مسبق بأن الجزء الثاني الذي سيقدمه كاميرون سيكون مختلفاً تماماً عن العمل الأصلي الذي أخرجه ريدلي سكوت. يرد في الإعلان الترويجي: “هذه المرة هناك حرب”. وبينما يصل فيلم “فضائيون: رومولوس” Alien: Romulus إلى دور السينما هذا الأسبوع، يبقى فيلم “فضائيون” المعيار الذهبي لهذه السلسلة. فمنذ عام 1986، لم تشهد السينما إنتاج جزء آخر يضاهي روعة هذا الفيلم أو يحظى بتقدير جماهيري شامل. فقد تراوحت إصدارات السلسلة ما بين إنتاجات مضطربة (“فضائيون 3”) وغرائبية غير محببة (“فضائي: القيامة” Alien: Resurrection) وأعمال تجارية منخفضة المستوى مشتقة من القصة الأصلية (مثل “الفضائي ضد المفترس” Alien vs Predator)، وحتى أجزاء مخيبة للآمال (مثل “بروميثيوس” Prometheus و”فضائي: العهد” Alien: Covenant من إخراج ريدلي سكوت). إلى جانب ذلك، هناك سلسلة من الأفلام التي لم تر النور أبداً، مثل “فضائي 5” الذي كان من المفترض أن يخرجه نيل بلومكامب، والذي واجهت مراحل إنتاجه عقبات أكبر من دورة حياة كائن “زينومورف” الفضائي الشهير في الفيلم.
بالفعل، يمكن القول إن “فضائيون” ألقى بظلاله الهائلة على عالم السينما، إذ جاءت شخصية الفضائية الملكة لتطغى على كل ما جاء بعدها. بالنسبة إلى معايير أفلام الحركة في حقبة الثمانينيات، كان هذا الفيلم أشبه بشاحنة فضائية مدرعة تجسد كل ما يمكن أن يكون عليه هذا النوع من الأفلام، ليصبح معياراً للفن السينمائي الذي يرسم ملامح عقد بأكمله. لكن الفيلم لم يكن مجرد مشاهد حركة وحوارات لا تنسى، مثل العبارة الشهيرة: “ابتعدي عنها أيتها الحقيرة!”، بل كان درساً متقناً في بناء العوالم واستكشاف القصص، إذ أخذ السلسلة إلى آفاق أبعد بكثير من الحدود الضيقة التي بدأ منها الفيلم الأول.
جاء هذا الفيلم في فترة كانت مليئة بالنجاحات الساحقة لجيمس كاميرون، الذي انتقل في غضون أربع سنوات فقط من طرده من فيلم “بيرانا 2: التبويض” Piranha II: The Spawning إلى إخراج كل من “المدمر” The Terminator و”فضائيون”. في الواقع، ارتبط كاميرون بإنتاج جزء جديد من “فضائيون” حتى قبل أن يبدأ تصوير “المدمر”، الذي تأخر بسبب التزامات أرنولد شوارزنيغر بإتمام جزء ثان لفيلم “كونان البربري” Conan the Barbarian. وخلال هذا الوقت، راح كاميرون يشتغل في كتابة السيناريو والتقى بمنتجي فيلم “فضائيون”، ديفيد غايلر ووالتر هيل، لمناقشة فيلم كان يشبه “سبارتاكوس” في الفضاء. ولكن عندما ذكرا أن لديهما فكرة لجزء ثان من “فضائيون” يتضمن تعاون البطلة ريبلي (الممثلة سيغورني ويفر) مع الجنود والعودة إلى الكوكب المليء ببيوض الفضائيين من الفيلم الأول، اندفع كاميرون بحماس لتولي المهمة على الفور.
على رغم تحذيرات الأصدقاء لعدم التورط في إنتاج جزء ثان من “فضائيون”، فإن كاميرون كان مصمماً وأجاب (وكان رأيه مصيباً): “نعم، لكنني أرغب حقاً في تنفيذ هذا المشروع. سيكون رائعاً”. من المذهل أن كاميرون تمكن من كتابة سيناريوهات ثلاثة أعمال ضخمة في آن واحد: “فضائيون” و”رامبو: الدم الأول الجزء 2″ Rambo: First Blood Part II ومراجعة فيلم “المدمر”، وذلك خلال ثلاثة أشهر فحسب. ولأنه كان دائماً مهووساً بشخصيات النساء القويات، وضع كاميرون صورة لسيغورني ويفر على مكتبه أثناء كتابة السيناريو. كانت براعة كاميرون الأبرز تكمن في تحويله نوع الفيلم، من رعب الفضاء الغامض في النسخة التي أخرجها ريدلي سكوت إلى الحركة المليئة بالأدرينالين في “فضائيون”. تشرح غيل آن هيرد: “احترم جيم النسخة الأصلية للفيلم، كما فعلت أنا، وشعر أنه لا يمكن تحسينها… لم يكن ينوي إنتاج نسخة أخرى مماثلة، لذا فكر في كيفية تطوير شخصية ريبلي وكيف يمكن أن يكون الفيلم نوعاً سينمائياً جديداً”.
قال كاميرون لاحقاً لموقع “فيلم 4”: “كنت أعلم أنني أستطيع تقديم فيلم حركة يحمل أقصى درجات التشويق… وأنني أستطيع الاستمرار في زيادة التشويق في تسلسل الأكشن. لذا، فكرت، فلنبن على أساس الرعب وننقله إلى أكشن كامل”. استلهم كاميرون عناصر من معالجة سابقة كان قد كتبها تحت اسم “أم” Mother، بما في ذلك معركة الآلات الثقيلة واسم كائنات “زينومورف”. أثبت نص “أم” أنه بداية ملائمة، إذ يحمل “فضائيون” في طياته أبعاداً أمومية قوية.
في قصة كاميرون، تستفيق ريبلي من سباتها العميق بعد مرور 57 عاماً، لتكتشف أن ابنتها التي تركتها على كوكب الأرض قد هرمت وتوفيت. يتم إقناع ريبلي حينها بالعودة إلى الكوكب LV-426 مع مجموعة من مشاة البحرية، وذلك في مهمة لإنقاذ مستعمرة بشرية من كائنات “زينومورف” الفضائية. هناك، تجد ريبلي الناجية الوحيدة من المستعمرة، الطفلة نيوت (جسدتها كاري هين) البالغة من العمر 10 سنوات، فتتخذها ابنة بديلة قبل أن تخوض معركة حامية ضد الفضائية الملكة، المخلوق الهائل ذي الأطراف المتعددة والغضب الأمومي الهائج.
يروى أن كاميرون قدم فكرة الفيلم للمنتجين بطريقة غير تقليدية إذ كتب كلمة “فضائي” Alien على لوحة في غرفة الاجتماعات، ثم أضاف إليها رمز الدولار في النهاية لتصبح “$Alien”. تضحك هيرد وهي تروي هذه الحكاية، وتقول لي: “لم أكن حاضرة حينها… لكن وفقاً لمعرفتي، فهذا ما حدث. وحتى وإن لم يكن كذلك، فيجب أن يكون”
على غير المعتاد، كانت شركة الإنتاج متحمسة بشدة لسيناريو كاميرون الذي لم يكن قد اكتمل بعد، لدرجة أنهم انتظروا انتهاءه من تصوير فيلم “المدمر” قبل أن يكمل كتابة السيناريو. على كل حال لم يوقع كاميرون عقد إخراج “فضائيون” إلا بعد نجاح “المدمر” في شباك التذاكر، إذ كان “فضائيون” أول فيلم له مع الشركة [20th Century Studios]. في ذلك الوقت، كانت التوقعات تشير إلى أن الجزء الثاني لن يحقق سوى 60 في المئة من المكاسب التي حققها العمل الأصلي. لذا تم تخصيص موازنة قدرها 14 مليون دولار فقط (نحو 9 ملايين جنيه استرليني) لفيلم “الفضائيون” – وهي موازنة أكبر من تلك التي خصصت لـ”المدمر”، ولكنها لا تقارن بأفلام الثمانينيات الضخمة. وفي الوقت نفسه، واجهت هيرد، التي كانت في الـ29 من عمرها، تحديات إضافية تتجاوز الموازنة: كسب الاحترام كمنتجة من شركة الإنتاج وطاقم العمل.
في تلك الأثناء، كانت سيغورني ويفر غير مطلعة على تفاصيل الفيلم الجديد. في البداية، كانت مترددة في شأن فكرة جزء آخر، لكنها وافقت على قراءة سيناريو كاميرون. وبحسب كاميرون، لاحقاً فإن طلبات ويفر حول القصة كانت “أن تموت في الفيلم… ألا تستخدم الأسلحة… وأن تقيم علاقة حميمية مع الكائن الفضائي” (اضطرت ويفر إلى الانتظار حتى فيلم “فضائيون: القيامة” لتحقيق الطلب الأخير). ومع ذلك، كان هناك تحد أكبر: لم تكن الشركة المنتجة مستعدة لدفع أجر ويفر. تقول هيرد: “فوجئ استوديو فوكس وتواصل مع المنتجين التنفيذيين، الذين قالوا ’اكتبوا ببساطة سيناريو جديداً ليكون فصلاً جديداً من دون عودة ريبلي‘… لا أدري كيف سيكون هذا الفيلم”.
هدد كاميرون وهيرد بالانسحاب من المشروع، لكن كاميرون، الذي كان دائماً يخطط بذكاء، وضع خطة محكمة: أخبر وكيل أعمال شوارزنيغر، الذي كان يعمل في نفس الوكالة التي يتبعها وكيل ويفر، أنه على وشك المضي قدماً من دون مشاركة ويفر. كان كاميرون يدرك أن وكيل شوارزنيغر سيتواصل مع وكيل ويفر، الذي بدوره اتصل بشركة الإنتاج بسرعة وأبرم الصفقة. تم دفع مبلغ قدره مليون دولار (نحو 780 ألف جنيه استرليني) لويفر، وهو مبلغ يعادل 30 مرة أجرها في فيلم “فضائي”. وعندما انضمت ويفر إلى عملية الإنتاج، كان زملاؤها في الفيلم من مشاة البحرية، بمن فيهم مايكل بين وبيل باكستون وجينيت غولدشتاين (الذين ظهروا بشكل متكرر في أعمال كاميرون)، قد قضوا أسابيع معاً في معسكر تدريبي.
هل كانت أجواء مشاة البحرية في الفيلم تعكس فعلاً درجة الحماسة التي ظهرت على الشاشة؟ تجيب جينيت غولدشتاين، التي تجسد شخصية فاسكيز القوية، بثقة: “نعم، بالتأكيد!” كانت تمارين التدريب في المعسكر فعالة للغاية في تعزيز الروابط بين أفراد الفريق. وتضيف: “ما زلنا جميعاً قريبين جداً من بعضنا بعضاً حتى الآن”. وتستذكر غولدشتاين أيضاً كيف استمتعت بأسلوب كاميرون في إدارة الموازنة المحدودة، قائلة: “عندما كانت الأمور تسير بشكل خاطئ، كان الوضع أشبه بفيلم ضعيف الموازنة… كان يقول ’سنحل المشكلة، نستخدم شريط التثبيت، ونغير زوايا تصوير المشهد!‘”.
يعزى جزء من بقاء “فضائيون” حياً في ذاكرة المشاهدين إلى تلك الجودة العشوائية التي طغت على تفاصيل الفيلم، كما يشير كارل تووب، الراقص السابق والطباخ الحالي الذي ارتدى إحدى بدلات الكائنات الفضائية في الفيلم. يقول: “لا تزال تشعر بذلك التوتر بسبب جميع مشاهد المجازفة التي نفذت بشكل حقيقي… مررنا ببعض المواقف حيث شعرنا بالخطر الحقيقي. لا بد من أن هذا انعكس في تعابير الممثلين – أعتقد أن بعض هذه اللحظات لم يكن تمثيلاً صافياً. كانت تجربة مرعبة بالفعل”.
صمم كاميرون بنفسه الفضائية الملكة، وهي دمية عملاقة تحتاج إلى عدة مشغلين وأنظمة هيدروليكية لتوجيهها. كان من الممكن أن تتحول الملكة بسهولة إلى تجسيد لمشكلات أجزاء التتمة وأن تكون أكبر، أكثر صخباً، وأقل دقة. لكن، على العكس، كانت تجسيداً لأقوى أسلحة الفيلم: الحزن والغضب الأموميان اللذان ينبضان تحت الأحداث السطحية. لا يمكنك إلا أن تشعر بالشفقة على الملكة عندما تظهر ريبلي وتحرق عشها. للأسف، اضطر كاميرون وهيرد لاجتزاء الخط الفرعي من القصة المتعلق بابنة ريبلي المتوفاة لتقليص مدة الفيلم الكلية (تمت إعادة هذا الجزء لاحقاً في الإصدار الخاص من الفيلم). تعلق هيرد بتهكم: “دعني أخبرك عن قتل أطفالك”.
بلا شك، كان “فضائيون” قفزة نوعية في عالم سينما الحركة. ومع ذلك، لم يكن كل أفراد الطاقم البريطاني معجبين بالفيلم، إذ كان أحدهم يشير إلى كاميرون باستخفاف ليس باسمه، بل بلقب “الأميركي”. وتقول هيرد: “كان هذا الأمر مزعجاً للغاية، لأن جيم كندي وليس أميركياً”. حاول كاميرون وهيرد تنظيم عروض خاصة لفيلم “المدمر” ليوضحا للبريطانيين ماهية إبداع كاميرون السينمائي، لكن قليلاً فقط من الناس حضر. تضيف غولدشتاين بنبرة دبلوماسية: “كان هناك تصادم واضح في الشخصيات والثقافات”. في النهاية، تم طرد مدير التصوير ديك بوش بسبب اختياره إضاءة المشاهد بالطريقة التي يراها مناسبة، وليس كما أراد كاميرون، بينما كاد مساعد المخرج الأول ديريك كراكيل أن يفصل هو الآخر، مما أدى إلى شبه تمرد وعقد اجتماع أزمة. تقول هيرد: “تمكنا من التوصل إلى تفاهم”.
وبالطبع، كان النجاح حليف كاميرون وهيرد، إذ حقق “فضائيون” نجاحاً باهراً، إذ جنى إيرادات قدرها 183 مليون دولار (نحو 143 مليون جنيه استرليني). كما تم ترشيحه لسبع جوائز أوسكار، فاز منها باثنتين.
تتجسد براعة الفيلم في تغيير الأنواع السينمائية بشكل مثير في واحد من أكثر المشاهد تأثيراً، إذ تجد ريبلي ونيوت نفسيهما محاصرتين مع زوج من صغار “زينومورف” التي تسمى “فيسهاغر”. في فيلم “فضائي” الأصلي، كانت “فيسهاغر” مقززة ومرعبة أكثر، تلتصق بوجه جون هيرت كرمز للذعر البدائي. لكن كاميرون حول هذه الصورة إلى تسلسل مشاهد حركة ملتهب، مليء بالأحداث التي تدفع الدماء في العروق وتسرق نبضات القلوب. يلخص هذا المشهد، بطريقة فضائية، جوهر ابتكار كاميرون.
قال كاميرون في وقت لاحق: “لا أظن أن ريدلي كان سعيداً بظهوري وتعدي حدود عالمه الصغير الذي بناه”. وفي عام 2012، ارتكب في فيلم “بروميثيوس” خطأ قاتلاً بالبحث في إجابات عميقة للأسئلة التي طرحها الجزء الأصلي والتي كان من الأفضل أن تبقى غامضة. على النقيض من ذلك، يعد “فضائي” نموذجاً عالمياً لمتابعة قصة ما بينما تبني أسطورة، وتقدم رؤى جديدة وتوسع نطاق الاستكشاف من دون أن تجرد العمل الأصلي من حيويته. تماماً كما أن “زينومورف” هو كائن مثالي، فإن فيلم “فضائيون” يعد التتمة السينمائية المثالية.
يعرض فيلم “فضائي: رومولوس” في دور السينما حالياً.
© The Independent