الرئيسية / صحافة ورأي / عاصفة مقبلة علينا الاستعداد لها أيا كان الفائز في الانتخابات الأميركية

عاصفة مقبلة علينا الاستعداد لها أيا كان الفائز في الانتخابات الأميركية

غابرييل غيتهاوس 
غابرييل غيتهاوس

إذاً “مفاجأة أكتوبر (تشرين الأول)” في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2024 كانت عدم وجود مفاجأة [مفاجأة أكتوبر هي حدث أو كشف مهم يحدث قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية، قد يكون فضيحة أو خبراً مفاجئاً يؤثر في مشاعر الناخبين ونتائج الانتخابات بصورة حاسمة]. قبل ثماني سنوات، وصل شريط الفيديو الخاص بحلقة من حلقات برنامج “الوصول إلى هوليوود” التلفزيوني [حل فيها دونالد ترمب ضيفاً] والرسائل الإلكترونية المقرصنة الخاصة بمدير حملة هيلاري كلينتون في اليوم نفسه، السابع من أكتوبر 2016. في ذلك الوقت، كان لا يزال من المستغرب حقاً أن نجد الروس يتدخلون في الانتخابات الأميركية في محاولة لمساعدة مرشح يتباهى بلمس النساء في المواضع الحساسة. وأن يواصل هذا المرشح حملته ويفوز بالرئاسة. كانت أياماً مثيرة بالفعل.

هذه المرة، اختتم أكتوبر بمشهد بهلواني: دونالد ترمب، مرتدياً سترة براقة، يتحدث من نافذة شاحنة عملاقة لجمع القمامة ويتلقى أسئلة حول بورتوريكو. قال: “لم يقدم أحد لبورتوريكو أكثر مما قدمت. لقد اعتنيت بهم عندما واجهوا الأعاصير الكبيرة”، في إشارة إلى عام 2017، عندما كان رئيساً وفعل العكس تماماً، إذ أخر المساعدات بعدما ضربت عاصفتان الجزيرة، لأنه اعتبر سكانها غير موالين بما يكفي.

لم تعد هذه التلاعبات بالحقائق مفاجئة لنا. وللأسف، لم تعد المنافسة الخطابية المتصاعدة، التي أفضت إلى هذا المشهد بشاحنة النفايات، تثير الدهشة أيضاً. بدأ الأمر بتجمع حاشد لمناصري ترمب في ماديسون سكوير غاردن بنيويورك، إذ أشار أحد الكوميديين خلال سلسلة من الأداءات التمهيدية إلى بورتوريكو بوصفها “جزيرة عائمة من القمامة”. ثم، في مكالمة عبر تطبيق “زوم” مع مجموعة من الناخبين اللاتينيين، رد الرئيس بايدن: “القمامة الوحيدة التي أراها هناك هي أنصاره [ترمب]”. هل تذكرون عندما وصفت هيلاري كلينتون نصف مؤيدي ترمب بأنهم “مجموعة بائسة”؟ في انتخابات حيث ستحدد النتيجة بهامش ضئيل من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، يبدو أن وصف نصف الناخبين بـ”القمامة” ليس بالأمر الحكيم.

أوضح البيت الأبيض، في صورة غير مقنعة إلى حد ما، أن بايدن كان يعني مؤيداً واحداً فقط – الممثل الكوميدي. وتعهدت كامالا هاريس بأن تكون رئيسة للأميركيين جميعاً. لكن الضرر وقع: باتت “القمامة” هي “المجموعة البائسة” الجديدة. غرد جي دي فانس، مرشح منصب نائب الرئيس، قائلاً: “هذا مثير للاشمئزاز. كامالا هاريس ورئيسها جو بايدن يهاجمان نصف البلاد”. (قبل ساعات كان فانس دافع عن نكتة الممثل الكوميدي في شأن “القمامة”، قائلاً: “لن نستعيد عظمة الحضارة الأميركية إذا شعرنا بالإهانة من كل أمر بسيط”).

في هذه الأثناء، كانت شبكة “إم إس إن بي سي” التلفزيونية الداعمة لهاريس تعرض لقطات بالأبيض والأسود لأميركيين يؤدون التحية الهتلرية في مسيرة مؤيدة للنازية جرت في نيويورك عام 1939، ورددت بحزن أن ترمب كان مرة أخرى “يحول ماديسون سكوير غاردن إلى نقطة انطلاق للتطرف”. على رغم كل شيء، ألم يصفه كبير موظفيه السابق بالفاشي؟ ألم يتحدث ترمب نفسه عن استخدام الجيش لملاحقة “العدو الداخلي” – الأشخاص الذين وصفهم بالماركسيين والشيوعيين – تحت قيادة هاريس؟

وهكذا وصلنا إلى هذه اللحظة، على بعد ساعات من الانتخابات الأكثر أهمية ربما في تاريخ أميركا، التي يقال إنها تضع بقاء الديمقراطية الأميركية على المحك: إذا صدقنا ما يقوله المرشحان، فإن الخيار سيكون بين الفاشيين والماركسيين، بين الرايخ الثالث والاتحاد السوفياتي، ولا يبدو أي من الخيارين ديمقراطياً للغاية. في الساعات القليلة المتبقية، ربما لا يزال هناك متسع من الوقت لالتقاط الأنفاس والهدوء. الخبر السار هو أن ترمب ليس نازياً بقدر ما أن هاريس ليست ماركسية. قد تكون اللغة التي سادت ألمانيا في ثلاثينيات القرن الـ20 مفيدة لإثارة حماسة الجماهير، لكنها غير مناسبة لفهم الديناميكيات الأميركية المعقدة عام 2024.

هذا لا يعني أن الخيار في انتخابات الثلاثاء ليس واضحاً. إنه كذلك، وقد تكون للنتيجة عواقب بعيدة الأجل. على الساحة الدولية، تعهد ترمب بسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ (مرة أخرى). ويبدو أن وعده بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا سينطوي على الضغط على كييف لتتنازل عن أجزاء كبيرة من أراضيها لموسكو، وهو ليس احتمالاً شديد الديمقراطية في نظر الناس الذين يعيشون هناك.

أما في الداخل، فهناك عشرات الملايين من النساء الأميركيات اللاتي يشعرن بالخوف من تدهور أكبر في حقوقهن في ما يخص الإجهاض أو الحصول على وسائل منع الحمل أو حتى العلاج الطبي في حالات الإجهاض التلقائي. يبدو أن “غيلعاد”، الديستوبيا التي رسمتها مارغريت أتوود، تلوح في الأفق [غيلعاد هي دولة خيالية ظهرت في رواية للكاتبة الكندية مارغريت أتوود. تدور أحداث الرواية في مستقبل بائس حيث يتحول جزء من الولايات المتحدة إلى مجتمع استبدادي يسمى “جمهورية غيلعاد”]. ثم هناك “مشروع 2025“، وهو مخطط من 922 صفحة يتناول إدارة ترمب الثانية صاغته “مؤسسة التراث” البحثية كخطة لإدارة ثانية محتملة لترمب. نأت حملة ترمب بنفسها عن الوثيقة، لكن كثيراً ممن صاغها هم أشخاص عملوا في إدارته الأولى وربما يعودون للعمل معه في حال فوزه مجدداً.

إذا فاز ترمب، ستبرز فرصة كبيرة لمحاولة تنفيذ بعض مقترحات المخطط. تشمل المقترحات تفكيك الدولة الإدارية، وإحلال موالين مؤدلجين محل موظفي الخدمة المدنية غير المسيسين، ووضع مؤسسات فيدرالية مستقلة مثل وزارة العدل تحت السيطرة الرئاسية المباشرة. إذا تمكن ترمب من تنفيذ تغييرات شاملة كهذه (سيواجه عقبات قضائية وسياسية ومؤسسية كبيرة يجب التغلب عليها)، قد تبدأ الديمقراطية الأميركية بالفعل بالتزعزع. من ناحية أخرى، إذا خسر ترمب، فهل سيقر بالخسارة؟ يواصل ترمب التأكيد أن انتخابات 2020 سرقت. يصدقه عشرات الملايين من الأميركيين. لا يضعف إيمانهم غياب أي دليل موثوق به على تأكيد كهذا. وإذا لم يقر بالخسارة هذه المرة، قد يستنتج أنصاره أن الديمقراطية ماتت بالفعل ويتصرفون في ضوء ذلك. من الواضح أن هذا الاحتمال خطر.  أي من النتيجتين المحتملتين في انتخابات اليوم من المرجح أن تفضي إلى بقاء النظام الديمقراطي الحالي في أميركا؟ يبدو التهديد في كل حالة واضحاً. لكن تذكروا: لقد مرت الديمقراطية الأميركية بالفعل برئاسة واحدة لترمب وتجاوزتها.

إن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية معقدة وناضجة، ذات مؤسسات عامة ومصالح خاصة تفوق سلطتها بكثير سلطة ترمب، بل سلطة المكتب البيضاوي نفسه. وثمة تحد يتفق عليه الجانبان وهو أن التهديد الأكبر لقوة وازدهار الأميركيين هو الصين. في الواقع، يتفق الجانبان بصورة عامة على أن العامل الرئيس الكفيل بهزيمة التهديد الآتي من الصين هو الديناميكية الأميركية المعروفة – مزيج من الابتكار ورأس المال والدافع الذي جعل الولايات المتحدة القوة البارزة في القرن الـ20. لقد تراجعت هذه الديناميكية في العقود الأخيرة. أما محور اختلاف الجانبين – في صورة صارخة – فهو كيفية إحيائها. يعتقد الديمقراطيون، على نطاق واسع، بأن سلطة الدولة، سلطة الحكومة الفيدرالية الأميركية، هي الأداة التي يمكن أن تحشد قوى رأس المال الخاص والإنفاق العام والابتكار لمواجهة التهديد على أفضل وجه. في مقابل ذلك، يعتقد الفصيل الصاعد حالياً في الحزب الجمهوري بأن الحكومة الفيدرالية متصلبة، وتعاني الفساد والمصالح الخاصة وعدم الكفاءة.

بين مؤيدي تيار “اجعل أميركا عظيمة مجدداً”، كثيراً ما يتجلى هذا الاعتقاد في نظريات المؤامرة. “كيو أنون”، نظرية المؤامرة التي تزداد اتساعاً وتدور حول وجود عصابة من المتحرشين الشيطانيين بالأطفال الذين يديرون أميركا سراً، ساعدت في دفع الغوغاء إلى مقر الكونغرس في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وبعد ثلاث سنوات من ذلك الحدث، كشف استطلاع للرأي عن أن أكثر من 40 في المئة من الأميركيين يعتقدون بأن أيد خفية تحرك الخيوط خلف كواليس الحكومة. ومع اقتراب موعد الاقتراع، تعمل شخصيات بارزة في حملة ترمب بنشاط على الترويج لنظريات المؤامرة هذه.

ضخ إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، أكثر من 100 مليون دولار (77 مليون جنيه استرليني) في حملة ترمب. وفي تجمع حاشد أخيراً استضافته بنسلفانيا (إحدى الولايات المتأرجحة الرئيسة)، قال متأملاً: “سيكون من المثير للاهتمام رؤية الارتباط بين قائمة عملاء [المتحرش الجنسي جيفري] إبستين والجهات التي تتحكم بكامالا”. من يدري ما إذا كان ماسك يصدق حقاً هذا الهراء؟ لكننا نعلم أن ترمب طلب من ماسك، في حال فوز الأول، أن يترأس “وزارة للكفاءة الحكومية”. يفضل ماسك شركته “سبايس إكس” على “ناسا”: هو يعتبر أن المؤسسات الخاصة أكثر ملاءمة لتنشيط الديناميكية الأميركية.

يبدو أن الاتجاه نحو تعزيز قوة الشركات (في بلاد حيث تتمتع الشركات بسلطة قوية بالفعل) يشير إلى قدر أقل من سلطة الناخبين وممثليهم المنتخبين ديمقراطياً. وبهذا المعنى، يبدو أن احتمال تولي ترمب ولاية رئاسية ثانية يمثل بالفعل تحدياً للديمقراطية.

لكن الديمقراطية الأميركية من نواح كثيرة تهيمن عليها بالفعل أموال الشركات الكبرى. وفي مواجهة تهديد الجمهوريين بتفكيك المؤسسات الإدارية الأميركية، تحول الديمقراطيون إلى قوة تدافع عن الوضع الراهن.

تتعلق المسألة الرئيسة بما إذا كان الوضع الراهن يعمل بصورة صحيحة، حول ما إذا كان مناسباً للغرض منه، حول ما إذا كان وهل هو قادر على مواجهة التحديات في إبقاء الحلم الأميركي على قيد الحياة.

يقدم غابرييل غيتهاوس برنامج “العاصفة المقبلة” على “راديو 4”. صدر كتابه “العاصفة المقبلة: رحلة إلى قلب آلة المؤامرة”، وهو صادر عن دار “بنغوين”.

© The Independent

شاهد أيضاً

مسرحيون شباب في مهرجان شرم الشيخ يراهنون على ثقافة جديدة

يسري حسان. منذ تسع سنوات، وعندما أطلق المخرج الشاب مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي …