الرئيسية / صحافة ورأي / كتاب “رحلة حول الملكة” يسرد ذكريات تخيلية عن إليزابيث الثانية

كتاب “رحلة حول الملكة” يسرد ذكريات تخيلية عن إليزابيث الثانية

في افتتاحية كتابه “رحلة حول الملكة” A Voyage Around the Queen يكتب كريغ براون “لم تُوثق حياة أحد في تاريخ البشرية بقدر حياة الملكة”. ويقول في كتابه الذي تناول السيرة لحياة المرأة التي أصبحت الملكة إليزابيث الثانية إنه يمكن “تتبع تحركاتها بشكل يومي تقريباً، من لحظة ولادتها وحتى وفاتها”. على مدى 96 عاماً، نادراً ما مر أسبوع عليها من دون التقاط صور لها، وانتشارها في كل أرجاء العالم. لكن وعلى رغم كثرة الصور والأخبار الصحافية التي غمرت حياتها، ظلت الملكة غامضة بالكامل تقريباً، محافظة على أسرارها الحقيقية، ومؤسسِةً النموذج الذي نعرفه اليوم لإدارة الصورة الملكية (وهو نموذج تم تحطيمه لاحقاً على يد بعض الأفراد من نسلها).

هل من الممكن فعلاً العثور على شيء جديد أو حتى مفاجئ في حياة هذه المرأة الأكثر توثيقاً في التاريخ؟ يبدو أن الجواب هو نعم، إذا كان كتاب “رحلة حول الملكة” دليلنا، إذ عليكم فقط أن تنظروا إليها من زاوية مختلفة. كريغ براون، الذي كان معروفاً في السابق بأعماله الساخرة حول المشاهير في مجلة “برايفت آي” Private Eye، قد ابتكر في السنوات الأخيرة نهجاً جديداً في كتابة السير الذاتية شبيهاً بعدسة مقربة ملونة تتيح لنا رؤية جديدة لم تُكشف من قبل.

تتجاوز كتب براون الأطر التقليدية للسيرة الذاتية، حيث يمنح مساحة واسعة لاستكشاف الظواهر الثقافية التي تحيط بالشخصيات الشهيرة، بجانب التفاصيل البيوغرافية الصرفة. في أعماله السابقة، مثل “السيدة العزيزة” Ma’am Darling الذي يسلط الضوء على شقيقة الملكة الأصغر، الأميرة مارغريت، و”واحد اثنان ثلاثة أربعة: بيتلز عبر الزمن” One Two Three Four: The Beatles in Time، ألقى براون ضوءاً جديداً على الشخصيات التي كتب  

لا شك في أن العثور على مصادر تتعلق بالملكة ليس بالأمر الصعب (من أجل التبسيط، يشير براون إلى الملكة بلقبها التقليدي “الملكة” طوال كتابه، موضحاً أن هذا اللقب يعيد إلى الأذهان صورة إليزابيث التي تخطر ببالنا أولاً). ظهرت أولى الأعمال التي توثق حياتها في عام 1930، حين كانت في الرابعة من عمرها، حيث وصفها الكتاب بأنها “أشهر طفل في العالم”، متغزلاً بجمالها و”شجاعتها الهادئة”. ومنذ ذلك الحين، تتابعت كتب عديدة تعد بالكشف عن جوانب خفية من حياتها وحياة عائلتها، لكن وعلى رغم كثرتها، لم يتمكن أي منها من اختراق الحجاب الذي يحيط بهذه الشخصية العامة الأكثر حفاظاً على خصوصيتها.

على عكس الشخصيات التي تناولها براون في أعماله السابقة، لم تكن الملكة قادرة على القيام بأي أفعال غير تقليدية أو مثيرة للجدل. بفضل موقعها الملكي، كان الأدب والتقاليد هما ركيزتا حياتها، وهما سمتان لا تفرزان عادة أكثر الروايات إثارة. لذا، كان على براون أن يكون أكثر إبداعاً في نهجه.

يحتوي الكتاب دليلاً لفظياً يعكس أسلوب النطق الفريد للعائلة الملكية، وقائمة بالكلمات التي كان الأمير فيليب يكرهها بشدة (مثل “التكتلات السكانية” و”الكاريزما”) ورسائل موجهة إلى الصحف، ووصفاً للقاءات مع الملكة، سواء حقيقية كانت أم متخيلة. وليس هذا فحسب، بل هناك أيضاً دفاتر أحلام تسجل تخيلات الناس الليلية، وشجرة عائلة لكلاب الكورغي، وتجميعاً للعديد من المرات التي وصف فيها الناس الذين قابلوا الملكة بأنها “تشع ضوءاً”.

وينصب اهتمام بروان على الملكة نفسها، متجنباً الانشغال بأقاربها الأصغر سناً، لكن هناك فصلاً رائعاً يروي الفشل المأسوي لبرنامج “ضربة ملكية قاضية” It’s a Royal Knockout. في عام 1987، قرر الأمير إدوارد أن أفضل وسيلة لجعل آل ويندسور يبدون أكثر قرباً من الشعب هي ظهورهم في برنامج ألعاب ذي طابع قروسطي برفقة بعض النجوم الذين لا يتمتعون بشهرة كبيرة. تردد أن الأمير أندرو حاول في نهاية المطاف دفع مغني الروك الأميركي “ميت لوف” Meatloaf إلى خندق مائي. في وقت لاحق، وصف جوناثان ديمبلبي هذه اللحظة بأنها “أدنى” ما وصلت إليه العائلة الملكية.

في كتابه الجديد، يمزج براون بين الثقافة الرفيعة والبسيطة بلمسة أكثر مرحاً. لا تقل لقاءات الملكة مع كبار الساسة وشعراء البلاط أهمية عن تلك التي جمعتها بالمشاهير، ويُروى كل ذلك بأسلوب غنائي شبيه بذلك المستخدم في نقل قصص النميمة. نكتشف، على سبيل المثال، أن الروائي الإنجليزي البارز كينغسلي أميس كان يخشى بشدة حدوث مشكلات في معدته أثناء تقليده وسام الفروسية لدرجة أنه طلب من طبيبه تزويده “بجرعة كبيرة واقية من مضاد الإسهال”، وفقاً لابنه مارتن. وفي المقابل، بدأ المغني فيل كولينز يدندن لحن أغنية فيلم الخيال العلمي “لقاءات قريبة النوع الثالث” Close Encounters of the Third Kind فور انتهاء محادثته مع الملكة، “ربما بسبب شعوره بالراحة لأن محنته قد انتهت”.

من بين الموضوعات الرئيسة التي يتناولها براون في كتابه هو التأثير الغريب و”المربك” الذي كان للملكة على جمهورها – سواء أولئك الذين قابلوها شخصياً، أو الذين كانوا يعرفونها فقط كوجه على العملات والطوابع. إحدى القصص التي يرويها براون تتعلق بـ توني بين، الذي كان في ذلك الوقت المدير العام لمؤسسة البريد ومعروفاً بمواقفه المناهضة للملكية، والذي حاول إزالة وجه الملكة من الطوابع، لكنه وجد نفسه يتعرض لمناورات هادئة ومتكررة من قبل الملكة وفريقها. يقترح الكاتب أن إليزابيث الثانية كانت في جوهرها “مرآة بشرية: يرتد الضوء الذي تسلطه الشهرة عنها وينعكس على من يواجهونها”. لقد رأى الناس في الملكة ما كانوا يتمنون رؤيته، وغالباً ما كان ذلك يتجسد في صورة تعكس مواقفهم الشخصية.

أحياناً كان ذلك “الضوء” الساطع يبهر الناس لدرجة أنهم يشعرون بـ “بدوار أو صداع في الرأس”، مما يدفعهم إلى التحدث بشكل غريب أو التصرف بأسلوب غير عادي أو حتى أداء انحناءة مضحكة، مثلما فعلت مارغريت تاتشر. وفي أحيان أخرى، كان الناس يستجيبون لمداخلات الملكة البسيطة أثناء المحادثة (مثل “هل جئت من بعيد؟” أو “كم هذا مثير للاهتمام!”) بالضحك الهستيري أو التقدير المبالغ فيه. يستمتع براون كثيراً بتسليط الضوء على الطرق الغريبة التي نتفاعل بها مع الشخصيات الملكية، لكنه يستعرض أيضاً كيف أن أبسط التصريحات الملكية قد تحمل في طياتها نوعاً من البصيرة.

خذوا على سبيل المثال، لقاء الروائية سيبيل بيدفورد مع الملكة، حيث أخبرتها بأنها كانت تكتب “طوال حياتها”، لترد الملكة بعبارتها المألوفة: “يا إلهي! حسناً”. يقول براون إن هذه الكلمات الثلاث قد عبرت من دون قصد، عن جوهر موقف بيدفورد تجاه عملها: فقد كانت دائماً “تشعر بأن الكتابة أقرب لأن تكون مهمة لا تُحتمل”. لا يضفي براون على كل تصرف ملكي طابعاً مبالغاً فيه من الأهمية والمعنى (كما يفعل بعض كتاب السير الذاتية)، ولكنه يتعامل بلطف مع تلك اللحظات التي تلخص توازن الملكة بين الحياة اليومية والأبعاد الساحرة أو الغامضة.

إذا كانت محادثات الملكة وسلوكياتها محكومة بشكل دائم بالبروتوكول، فإن كلاب الكورغي خاصتها، كانت تجسد على ما يبدو كل الفوضى التي تفتقر إليها حياتها، بحسب ما يقترح براون. تعتبر الأجزاء التي يخصصها الكاتب لهذه الكلاب المتمردة من أكثر فصول الكتاب طرافة ومتعة، حيث تجتاح أسراب الكلاب الصغيرة القصور والقلاع، عابثة بالأماكن الفاخرة ومزعجة ضيوف الملكة المشاهير عن طريق عض كواحلهم. في إحدى وجبات الغداء في قلعة ويندسور، أكل السياسي آلان جونسون عن غير قصد إحدى “قطع البسكويت الداكنة بشكل غير عادي الخاصة بها”، التي كانت مقدمة مع الجبن. أصبحت هذه الكلاب “تمثيلات متخيلة” للملكة، قادرة على التصرف بحرية وبأسلوب لا تستطيع الملكة القيام به. يذكر براون أن الملكة تأملت على ما يبدو قائلة: “تمتلك الكلاب غرائز مثيرة للاهتمام، أليس كذلك؟… ونظرة عارفة”، وذلك بعد أن أبدى كلب المساعدة المرافق للسياسي الأعمى ديفيد بلَنكيت نفوراً من فلاديمير بوتين.

وتظهر الكلاب أيضاً في واحدة من القصص المؤثرة حقاً القليلة التي يسردها الكتاب. في جلسة غداء ملكية أخرى، وجد الجراح ديفيد نوت نفسه مغموراً بالحزن وهو يتحدث عن عمله في ميادين القتال في حلب. بسرعة، غيرت الملكة حديثهما لينصب على كلابها الصغيرة، فجلس الاثنان معاً لإطعامها لمدة نصف ساعة. وفقاً لـ نوت: “كانت درجة إنسانية ما تقوم به لا تُصدق”. في هذا السياق، نبدأ في فهم السبب وراء تحول صورة كلاب الكورغي وهم ينتظرون موكب جنازتها إلى واحدة من أكثر الصور تأثيراً في ذلك اليوم. يعرف براون أن تلميحات كهذه يمكن أن تكون معبرة عن شخصية ما (وربما كيف نخلق إحساسنا بشخصية ما) أكثر من الحقائق الجامدة أو المقابلات الكاشفة.

© The Independent

شاهد أيضاً

برغمان بين المسرح “زوجته” والسينما “عشيقته”: لا مكان للغيرة

    يعرف أهل السينما وجمهورها النخبوي أن المخرج السويدي الراحل إنغمار برغمان لم يكن مبدعاً سينمائياً …