الرئيسية / دنيا الفنون / ثقافة وفن / عزت عمر أصدر كتابه عن التجريب الروائي ورحل 

عزت عمر أصدر كتابه عن التجريب الروائي ورحل 

رحل الأسبوع الماضي الناقد والكاتب السوري عزت عمر المقيم في الامارات، عن 68 عاما. وكان عمر صاحب الاعمال النقدية والقصصية قد هاجر إلى الإمارات العام 1990 وبقي فيها حتى وفاته، وعمل في الصحافة الإماراتية والعربية ومارس مهنة تدريسالأدب العربي. وكان آخر كتاب صدر له  قبيل رحيله “تجلّيات التجريب في الرواية المعاصرة” (دائرة الثقافة في الشارقة). يكتسب مصطلح “التجريب” في الكتاب دلالات واسعة، في التنظير والتطبيق، إلى حدّ يمكن أن نعتبر معه أن كلّ رواية تحمل ملامح تجريبية، بشكلٍ أو بآخر. ففي التنظير يرى أن “التجريب حالة معرفية تجلّت إبداعاً في الرواية العربية منذ دخول مجتمعاتنا، على التوالي، مرحلة الحداثة وما بعدها…”. وهو إذ يربط بين نشأة الرواية العربية والعالمية ومرحلة الحداثة خلافاً لما يقول به كثيرون من نشأتها في مرحلة تقليدية أو كلاسيكية ، يرى “أنّ كلّ رواية دخلت غمار الحداثة وفي أيّ زمان ومكان، هي مشروع تجريبي”. وعليه، وبناءً على هاتين المقدّمتين القائلتين إن الرواية نشأت في مرحلة الحداثة، وإن كلّ حداثي هو تجريبي، يمكن الاستنتاج أنّ جميع الروايات هي تجريبية.

 في التطبيق، يقوم الناقد بدراسة إحدى وعشرين رواية معاصرة، سبع عشرة منها عربية وأربع عالمية. ويروح يقتفي تمظهرات التجريب فيها، بالعمل على الاشتغال السردي، وتوجّهات السرد، وتقنيّاته، في الروايات المدروسة. ويرصد كيفية تمظهره في العنوان، واللغة السردية، والبنية المشهدية، والوصف المتقصّي، والتكرار، وسواها من مكوّنات الرواية، ليخلص، في نهاية الدرس، إلى “أنّ التجريب لا يخصّ جيلاً بعينه، أو يخضع لنمط روائي بعينه، آخذاً بعين الاعتبار أنّ الرواية جنس أدبي رافق الحداثة وما بعدها، ولم ينته في تكوّنه بعد”. وبهذا المعنى، كلّ جيل تجريبي، وكلّ رواية تجريبية. على أنّ السؤال الذي يطرح نفسه، في هذا السياق، هو: في ضوء عدم التزامن بين الحداثتين العالمية والعربية وتأخّر الثانية عن الأولى عشرات السنين، على الأقل، هل يمكن تعميم التجريب على الروايات العربية المتأخّرة عن تلك العالمية لا سيّما أنّها ربّما تكون قد صدرت قبل دخول العالم العربي مرحلة الحداثة؟

  تجلّيات مختلفة

 تختلف تجلّيات التجريب من رواية إلى أخرى في الروايات المدروسة، وعلى الرّغم من وحدة المنهجية المعتمدة في الدرس، فإنّ التجريب قد يطغى على مكوّن معيّن، في هذه الرواية أو تلك، على ما عداه من مكوّنات. وهو ما يتبدّى في عناوين الدراسات المختلفة، بحيث تتمحور الدراسة على: البنية الروائية، أو الحقل المعرفي المُسَرّد، أو المفارقات السردية، أو تعدّد الأصوات، أو تقنيات السرد، أو السرد السِّيَري، أو فاعلية التناص، أو مرجعيات السرد، وغيرها. وهو ما نقتفي أثره في عدد من الروايات، على سبيل المثال لا الحصر.

في الرواية العربية، يقوم التجريب في “الرواية العمياء” لشاكر نوري على ثنائية البصر والبصيرة. ويتمظهر في ملاءمة تقنية كتابة التقرير ذات الطبيعة المغامراتية المستخدمة فيها مع الحكاية التي تتناول مجتمع المكفوفين وتَوَجُّس المسؤولين منهم، فيدسّون بينهم موظّفاً بصيراً، ينتحل العمى للتلصّص على أحاديثهم، وكتابة تقرير مفصّل عنهم. تناص الرواية مع روايات “العمى” لجوزيه ساراماغو، و”الأيام” لطه حسين، و”تاريخ العيون المطفأة” لنبيل سليمان. اجتراح أساليب وأحداث تميّزها عن الروايات الأخرى، وتتراوح بين الفكري الرصين في الحوار والمغامراتي في الأحداث. واستخدام خطاب روائي يزاوج بين النضج الفكري والجرأة الجمالية، وضرب مثل تطبيقي على هذا التزاوج.  وبذلك، يكمن التجريب في: تقنية السرد، وتناصّ المضمون، واختلاف الأساليب والأحداث، وثنائية الخطاب.

 ويتمظهر التجريب في رواية “المسرنمون” لعمر عبد العزيز، على مستوى الاشتغال السردي، في: بنية روائية كبرى يتمّ فيها عرض محطّات من حياة الشخصية الرئيسية، ونسق سردي موازٍ يقوم على التفاعلات النصية، استناداً إلى ذاكرتين، بصرية وقرائية. ويتمظهر، على مستوى التوجّهات السرد، في المزاوجة بين سرد شائق في بناء الشخصية الرئيسية، ومقاربات فكرية في بناء الشخصيات الأخرى المتعالقة معها. ويضرب الدارس الأمثلة النصية على كلٍّ من المستويين. 

 وانسجاماً مع توجّهه لدراسة روايات من أجيال مختلفة، يرصد عمر تمظهرات التجريب في “عصفور من الشرق” لتوفيق الحكيم، الصادرة عام 1938، ويخلص إلى أنّ التجريب، على مستوى الاشتغال السردي، يكمن في التخييل المتقاطع مع سيرة الكاتب. وعلى مستوى توجّهات السرد، يكمن في تمحور الرواية حول حوار الحضارات وليس تنافرها، ويعتبرها الأولى التي تتناول هذه الثيمة. وعلى مستوى تقنيات السرد، يكمن في استخدام تقنيات تعزّز روائية الرواية، ناهيك بعمليات التناص والمتفاعلات النصية التي تعكس ثقافة الحكيم وتصبّ  في خدمة الثيمة المذكورة. في السياق نفسه، يرصد الدارس تمظهرات التجريب في رواية “الحرافيش” لنجيب محفوظ مقارناً بينها وبين “مائة عام من العزلة” لغابرييل غارسيا ماركيز، ويخلص بنتيجة الرصد إلى أنّ التجريب، على مستوى التوجّهات، يتمظهر، في الصراع الطبقي بين تحالف الفتوّات والأعيان وممثّلي السلطة، من جهة، والحرافيش، من جهة ثانية، وفي اصطناع بطل أسطوري يرفع الظلم ويحقّ الحق. ويتمظهر، على مستوى الاشتغال السردي، في البداية الاحترافية، والنهاية المفتوحة على التأويل، والبنية الملحمية. ناهيك بمجازية اللغة وشعريتها.

  الرواية العالمية

 في الرواية العالمية، يتجلّى التجريب، على المستويات المختلفة، في رواية “الخيميائي” للروائي البرازيلي باولو كويلو، في قيامها على السردية الغرائبية المستوحاة من التراث السردي العربي، وفي استخدام السفر أداة للمعرفة، وفي أسطرة الشخصية الرئيسية وتَحَدُّر الشخصيات الأخرى من عالم ما تحت واقعي. ويتجلّى في رواية “اسمي أحمر” للروائي التركي أورهان باموق في طرح سؤال الهوية بالتعالق مع الهويات الأخرى، وتكامل السرديات المتعدّدة فيها مع الحكاية الإطارية، واستخدام تقنيات سرد ما بعد حداثي تقوم على التراكم الإخباري والتناص وتعدّد المستويات، الرومنسية والتاريخية والفنية، وبوليسية الحبكة الروائية. أمّا في رواية “العمى” للروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو، فيتجلّى التجريب في النص وقابليّته للنمذجة والتعميم، التحذير من انفلات الغرائز والتجرّد من الإنسانية، القول بضرورة الدولة والمؤسّسات الحكومية لمكافحة الأوبئة، وقيام التجريب على علم الراوي وتدخّل الروائي ورشاقة اللغة وانتقائية الوصف وتَعَمُّد التكرار وملحمية النّفَس وتَخَيُّل البنية ودرامية الحدث والتناص.

 لعل حُسْنَ اختيار الروايات المدروسة، وتعدّد مستويات الدرس، والجمع بين روايات عربية وعالمية، وإدخال الخاص في العام، هي ممّا يمنح الكتاب قيمته، فيجمع بين فائدة الماهية ومتعة الكيفية.

Independent News 

شاهد أيضاً

الاعتداء على نجم أمريكي في شوارع نيويورك 

تعرض النجم الأمريكي ستيف بوسيمي للضرب من قبل شخص مجهول في وضح النهار، خلال تواجده …