الرئيسية / الحياة حلوة / الاعتراف بالخطأ يتطلب شجاعة

الاعتراف بالخطأ يتطلب شجاعة

يميل الناس إلى استخدام عبارة “ثقافة الإلغاء” كأنها أمر سلبي، لكنني لست من هذا الرأي تماماً. فليس أسوأ الأمور أن تنتمي إلى ثقافة تتوافر فيها المعلومات بحرية وبلا مقابل في الوقت الذي يملك فيه كثيرون من بيننا قدرة على التعبير عن آرائهم، مما يسمح بتحميل الناس مسؤولية سلوكهم السيئ الذي كانوا ليتمكنوا من إخفائه في السابق.

لكن ما يزعج الناس برأيي هو أمران: أولاً، كثرة حدوث هذه الأمور، وثانياً، خوفهم من أن يأتيهم الدور.

والنقطة الأولى تجعل الناس يعتقدون بأن “ثقافة الإلغاء” ضرب من ضروب مطاردة الساحرات [المضايقة الكيدية]؛ وأننا نستهدف بعض الأشخاص ونسعى إلى “إلغائهم” إرضاءً لحب الإثارة. ربما في هذا الاعتقاد بعض الحقيقة – لا شك في وجود حالات “إلغاء” لأشخاص على خلفية سوء تفاهم، أو أكاذيب سافرة. لكن إجمالاً، كانت فائدة السعي إلى المساءلة أكبر من ضرره، حيث كشفت حركات مثل #مي تو #Me_Too (أنا أيضاً) [حركة اجتماعية عالمية تسعى لفضح ومنع التحرش والاعتداء الجنسي، وبخاصة ضد النساء] الغطاء عن أشخاص مثل هارفي واينستين، كانوا ليعيشوا حياتهم في زمن آخر من دون أن تفتضح جرائمهم.

لكنني أرى بأن النقطة الثانية – أن الموضوع قد يطاولنا جميعاً في النهاية – تحمل في طياتها جزءاً كبيراً من القلق المتعلق بما يسمى “الإلغاء”. كيف نعلم إن كانت تجاوزاتنا الماضية خطيرة بما يكفي لكي تورطنا في المشكلات؟ وماذا نفعل لو كشفت يوماً؟

يبدو بأن مات ويليس، نجم فرقة “بستد” Busted الغنائية، قد توصل إلى الحل في مقابلته الأخيرة مع صحيفة “غارديان”، التي تطرق فيها إلى معاناته مع إدمان المخدرات والكحول، والأثر الذي تركه ذلك على علاقته بزوجته، مقدمة برنامج “بيغ بروذر” Big Brother السابقة، إيما ويليس. في المقابلة، قال مات إنه مارس أسلوب التلاعب العقلي مع زوجته، وسعى إلى جعلها “تشعر بأنها مجنونة” ودعا نفسه بـ”العقل المدبر” في ذلك النوع من التلاعب الزوجي.

وروايته مزعجة جداً، لأسباب ليس أقلها أنها حالة نادرة من قيام المعتدي الذي أساء معاملة الآخرين بسرد واقعة الاعتداء هذه من وجهة نظره. على سبيل التوضيح، أستخدم عبارة “الاعتداء” هنا لأنها العبارة الوحيدة التي يمكنها وصف سلوك مات، كما يشرحه هو. فالتلاعب العقلي بالشريك يشكل اعتداءً بغض النظر عن طريقة طرحك للموضوع. وهذا ينطبق كذلك على إجباره على العيش مع أخطائك، وانعدام قدرتك على ضبط النفس.

لكن اللافت في الموضوع هو أن مات يعترف بكل شيء. فهو يقر بمسؤوليته عن أخطائه، ويتعهد بأن يتصرف بشكل أفضل. والأهم أنه يقر بأنه لن يتمكن أبداً من التكفير عن بعض الأمور، إذ قال “لم أفعل ذلك أبداً مع إيما ولا أعتقد بأنني قادر على ذلك يوماً”.

تختلف هذه التصريحات كلياً عن اعتذارات المشاهير التي تكتب على تطبيقات التواصل الاجتماعي بقلم وكيل أو مسؤول إعلامي يخطها على عجل في محاولة يائسة لكي يسبقوا الادعاءات ويحلوا المشكلة قبل وقوعها. تعرفون عن أي ملاحظة أتكلم “أعتذر عن الأذى الذي تسببت به. أنا أنمو وأتعلم كل يوم. أعد المعجبين بأنني سأحاول أن أحسن نفسي. أرجو ألا تتوقفوا عن شراء البضائع التي أنتجها. أي واحد منا لم يضرم النار في دار أيتام؟”.

أكن لــمات عميق الاحترام لأنني مررت بتجربته في السابق. كنت أسرف في شرب الكحول (قبل أن يتدخل جهازي الهضمي في نهاية المطاف ويقرر أن يستلم زمام الأمور)، وكنت صديقاً حميماً سيئاً إلى أبعد الحدود. وللصراحةً، يا ليتني قادر على إلقاء كل اللوم على الكحول، لكنني أعتقد بصراحة أن ذلك نتج من أنني، أ) كنت في العشرينيات من عمري، وب) كنت أحمق بشكل عام.

خلافاً لما فعله مات، لم أعتذر يوماً فعلياً عن معظم أفعالي. أقول لنفسي “لا داعي لنبش الماضي، وأنا متأكد بأن ذلك سوف يضر ولا ينفع في هذه المرحلة” لكن إن كنت صريحاً، أعتقد بأنني أفتش عن عذر ليس إلا. كما علمتنا السنوات الماضية، يُنبش الماضي بغض النظر عن إرادتنا. غالباً ما يجد الناس الراحة والسكينة عندما يضعون خاتمة للأمور.

عندما نقلق من التعرض للـ”إلغاء” – أو لندعو الأمور على حقيقتها “أن نتحمل مسؤولية أفعالنا” – ربما يجدر بنا أن نحذو حذو مات: نعترف بمسؤوليتنا عن أخطائنا، نصلح الأمور حيث أمكن، ونقر لأنفسنا بأننا لن نقدر على إصلاح بعضها الآخر.

لو كنتم تبحثون عن نهاية وباء “ثقافة الإلغاء”، أحمل لكم أنباء سيئة: الحل الوحيد لها هو الصراحة.

© The Independent

شاهد أيضاً

“شات جي بي تي” يشخص مرضا استعصى على الأطباء

إنه الذكاء الاصطناعي أيضاً وأيضاً، إذ يطل علينا يوماً تلو آخر بإنجاز جديد، وفي كل …