الرئيسية / كلمة العدد / بوطالب .. وحدوتة الوحدة ” المستعجلة ” !
مودي حكيم
مودي حكيم

بوطالب .. وحدوتة الوحدة ” المستعجلة ” !

اختلفت الروايات حول قصة أسر الضابط العقيد الجوي محمد حسني مبارك فى المغرب وربطه بجذع نخلة ، القصة التى تداولها وسائل الاعلام العربية  ، كلما سنحت الفرصة فى ‘ الفاضي والمليان ‘ ، سوء فى ذكري الاحتفال بثورة الضباط الاحرار 52 ، او فى ذكرى ثورة 25 يناير وتنحيه عن الحكم ، وفى كل مناسبة تتكرر رواية الحكاية بتفاصيل مختلفة  ، لتروي أسرار مرحلة معينة من حياة الرئيس مبارك . واحدة منها من  المواقع المغربية نقل عن الباحث محمد لومة القصة التي اختلفت الروايات حول تفاصيلها، مع أنه من المؤكد أن عام 1963 شهد توترا في العلاقات المصرية المغربية، خاصة بعد إطاحة الضباط المصريين الأحرار بالملك فاروق، الأمر الذي جعل الزعيم الجديد لمصر عبدالناصر يساند الجزائر في حربها ضد المغرب، فيما عرفت بـ”حرب الرمال”. وقد أرسلت مصر آنذاك قوة عسكرية تقدر بنحو ألف جندي وضابط إلى الجزائر، بينهم عقيد طيار لم يكن معروفا وقتها، إلا أنه أصبح الأشهر في بلاده بعد أقل من عقدين من الزمان، حيث أصبح لاحقا الرئيس محمد حسني مبارك.

صعد العقيد مبارك و5 ضباط مصريين آخرين، بالإضافة إلى عضو مجلس قيادة الثورة الجزائرية شريف بلقاسم، على متن طائرة الهليكوبتر التي كلفت باستطلاع الحدود الجزائرية-المغربية، ومنطقة القتال، وانطلقت الهليكوبتر في مهمتها، لا يعلم من عليها أنهم لن يعودوا إلى نفس مكانهم هذا مجددًا، فالرحلة لم تسر كما خططوا لها نهائيًا. وهنا اختلفت الروايات حول ما حدث بالتحديد، حيث يقول البعض إن عاصفة رملية قادت الطائرة التي كان على متنها مبارك إلى مصيرهم المجهول في صحراء المغرب، فيما يقول آخرون إن قائد الطائرة ظل طريقه، وفي كلتا الحالتين النتيجة كانت واحدة. واضطرت الطائرة للهبوط في حقول زراعية، بين الدواجن والكلاب، لتحاط في ثوان محدودة بأصحاب تلك الحقول، ويتبين لهم أنهم هبطوا في آخر مكان يتمنون أن يكونوا فيه في تلك اللحظة.. شرق المغرب، أصبح مبارك ومرافقوه أسرى لا حول لهم ولا قوة محاطين بسكان واحة محاميد الغزلان المغاربة الذين اعتبروا المصريين صيدا ثمينا للمملكة، لا سيما مبارك العقيد الطيار.

وسريعا انتقل ضابط من المخابرات المغربية لموقع آسر الضباط المصريين، ليجدهم مكبلين بالحبال ومربوطين إلى جذوع النخيل، بل وحتى الهليكوبتر تم ربطها إلى جذوع النخيل، ما فسره سكان القرية بخوفهم من أن تطير!.

الدقائق مرة كقرون على مبارك الذي كان مكبلا بالحبال ومربوطا إلى جذع نخلة في الصحراء المغربية، وكان حضوره إلى ذلك المكان خطأً غير مقصود، غير أنه كلفه الكثير. “ماذا سيحدث لي وباقي طاقم الطائرة الآن، هل سيقتلوننا، أم سيحتفظون بنا أحياء” أسئلة كانت تجول بخاطر الضابط الطيار مبارك الذي تملكه الخوف بعد سماعه حديث أهل واحة محاميد الغزلان، مع الجيش المغربي الذي أكد آنذاك أن 8 أشخاص سيحلون بالمكان قريبا لنقل الآسرى المصريين. الليل يزداد صقيعًا في هذه الواحة في الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر من عام 1963، والعقيد يشعر بأطرافه ترتجف، ليس بوسعه أن يفعل شيئًا الآن، سوى انتظار مصيره حين سيصل ذلك الشخص المنتظر. يسند مبارك رأسه إلى جزع النخلة ويغمض عينيه مستعيدًا اللحظات التي قادته إلى هذا المصير.

وبعد ذلك، نقل المصريون إلى مراكش، حيث معتقل دار المقري الشهير، والذي اكتظ في هذه الأثناء بأعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذين اعتقلوا على خلفية ما عرفت في المغرب بـ”مؤامرة 15 يوليو 1963″ ووضعوا في إحدى القاعات التي توجد في زاوية من زوايا الدار. وثار الملك المغربي الحسن الثاني، معتبرا أن ذلك دليل واضح على تدخل مصر في الصراع بينه وبين الجزائر، ليقرر استدعاء سفير بلاده في القاهرة، ويطرد المعلمين المصريين من المغرب، حتى وصل به الأمر إلى منع الأغاني المصرية من الإذاعة، والأفلام المصرية من دور السينما.

ومرت الأيام على المعتقلين في “دار المقري”، وتقول روايات إن مقدما منهم رفض الحديث مع المحققين، وطلب الاحتكام لاتفاقية جنيف المتعلقة بأسرى الحرب، كما تقول نفس الرواية إن مبارك تحدث واعترف بكل شيء أمام المحقق المغربي، إلا أن تلك الروايات تبقى غير مؤكدة.

وانتهت الحرب وظهرت بوادر تحسن في العلاقات بين الجمهورية المصرية والمملكة المغربية، ودعا الرئيس المصري جمال عبدالناصر الملك الحسن الثاني لزيارة القاهرة، ووقف ليستقبله في مطار القاهرة مصطحبًا طفلة صغيرة تحمل باقة من الورد قدمتها للملك المغربي بعدما وطأت أقدامه أرض العاصمة المصرية، لينحني الملك ويقبلها ، هذا السيناريو لم يختلف كثيرأ عما رواه الإعلامي المغربي مصطفي العلوي الذي شارك الرئيس السابق محبسه . والتي حكاها فى دعوة الغذاء بمنزل الصديق الصحافي رمزي صوفيا بالدار البيضاء التى ضمت عدد من مستشاري الملك الحسن ، منهم عبد الهادي بوطالب ، و أحمد بنسودة ،وآخرون اشرت اليهم من قبل ، و امتدت لساعات لاتعوض لرجال فارقونا وبقت سيراتهم العطرة ، ورحلتهم وخروجهم من الذات لملاقاة الآخر ، ليمطرونا بالحكاوي فى زمن قحط الكلمة ، حكايات الانتصار والانكسار …

توج الجلسة السفير ، الوزير ، المستشار فى المملكة المغربية د. عبد الهادي بوطالب  ، الرجل الذي تقلب فى عدة مسئوليات سواء استاذاً بالمعهد الملكي أو بالجامعة أو سفيرًا أو مستشارًا ، لا يتقاضي من الدولة المغربية أي راتب شهري أو راتب تقاعدي لا كلي أو جزئي ، ويعيش على موارده الخاصة الذي وفرها له عمله الطويل فى القطاع الخاص . أراد بو طالب أن يخرجنا من حدوتة مبارك ، و ” اللت والعجن ” فيها ، لينقلنا الى مرحلة حكم الزعيم عبد الناصر ، فبعد أن توفي الملك محمد الخامس ، وبعد مرور عام من اعتلاء الملك الجديد الابن الحسن الثاني عينه سفيرا للمغرب لدي سورية . ليسرد حكاوي من ذكرياته .

” كنت في حاجة إلى فترة استجمام سياسي. بعد خروجي من العمل الحزبي ، وهي فترة تميزت بالتفكير والتقييم. كنت خلالها أطرح على نفسي أسئلة مثل: هل كل ما فعلته كان يجب أن أفعله؟ ألم أخطئ في بعض ما أقدمتُ عليه؟ هل تسرعتُ في الخروج من حزب الشورى والاستقلال والمساهمة في تأسيس الاتحاد الوطني؟ وهل سيُنْظَر إلى تسرعي وقبولي الدخول في الحكومة على أنه تهافت على الحكم وانبطاح من أجل مقعد وزاري؟ وهل إن فعلتُ ذلك سوف لا أُصنَّف بين الانتهازيين وعَبَدة المناصب؟

” وأمام هذه التساؤلات وجدت لنفسي حلا مؤقتا ففرضت على نفسي فترة استجمام وراحة دامت ما يقرب من سنة، حيث نادى عليّ الملك الحسن الثاني بعدها ليعهد إليّ بمهمة أكثر من مهمة سفير لكن باسم سفير. وقال لي: «كنتَ تطلب ألا يكون دخولك للعمل السياسي إلا بمقدمات وسميتَها فترة استجمام. والآن أنا في حاجة إليك في مهمة دقيقة. تعلم أن الوحدة انفصمت بين سورية ومصر. وقد ترك هذا الانفصام مخلفات تشكل نزاعا بين البلدين. وقد توجه كلٌّ منهما إليَّ لأكون الوسيط بينهما. ولمّا كنتَ في حاجة إلى مدخل تعود به إلى العمل السياسي هاأنذا أجد لك هذا المدخل: ستذهب إلى سورية لتقوم بالوساطة بينها وبين مصر باسمي بوصفك سفيرا في دمشق». وزاد يقول: «لا أخفيك أنني فكرت في أن أسند هذه المهمة إلى السيد عبد الخالق الطريس (كان آنذاك سفيرا للمغرب لدى مصر) لكنني فوجئت بما لم أكن أتوقعه. فلا سورية قبلته ولا مصر قبلته. مصر قالت إنها لا تريد أن يكون من يقوم بتسوية النزاع هو السفير المعتمد لديها. وسورية قالت إنها لا يمكنها أن تطمئن إلى وساطة الطريس «لأنه رجل عبد الناصر». وحينها فكرتُ فيك، فأنت تعرف المشرق العربي وثقافتك السياسية الأولى هي ثقافة عربية. وكل ما يتعلق بالجامعة العربية وأوضاع المشرق تعرفه حق المعرفة. وأنا أعرض عليك أن تكون بالنيابة عني الوسيط الذي لا يُعلَن عنه، لأن هذه المهمة حساسة وبالغة الخطورة. وعليك أن تقوم بها دون إعلان، ولكن من موقعك كسفير في دمشق ينتقل بين القاهرة ودمشق لحل هذا الخلاف في أسرع وقت». والحقيقة أنني ارتحت لهذه الطريقة التي قدم بها الملك الحسن الثاني عرضه لي. وزاد يقول: «فإذا قبلتَ فإنني سأبلغ وزير الخارجية بحضورك قرار تسميتك سفيرا وأعطيك تعليماتي بحضوره».

” ونادى الملك الحسن الثاني على الحاج أحمد بلافريج وزير الخارجية في جلسة أخرى كنت حاضرا فيها وحضرها أحمد رضا كديرة مدير الديوان الملكي. وقال له: «لقد سميت الأستاذ عبد الهادي بوطالب سفيرا لي في سورية لكن لا علاقة له بوزارة الخارجية، ستكون العلاقة بينه وبيني مباشرة للقيام بمهمة الوساطة. وجميع تقاريره سَتَرِد رأسا على الديوان الملكي. ولا تنتظروا أن يخبركم بما سيكون في شأنها». وقال بلافريج: «الأمر أمرك يا جلالة الملك». وفعلا تسلمت أوراق الاعتماد من جلالة الملك ، وسافرت بعد أسبوع إلى دمشق. وعجل الرئيس السوري ناظم القدسي باستقبالي في اليوم الموالي حيث قدمت له أوراق اعتمادي. وبعد أن تبادلنا الخطب كما كانت عليه العادة في سورية انفرد بي في جلسة خاصة ليقول لي: «هذه مطالبنا من مصر» وكانت مطالب بسيطة. وأضاف قائلا: «نحن نعتمد عليك في أن ترجع المياه بيننا وبين مصر إلى مجاريها وسورية حريصة على ذلك. ونأمل أن نجتاز هذه الخطوات البسيطة التي بقيت على الطريق لندخل في عهد جديد. إننا لا نريد أن يطول عهد الجفاء مع مصر، وأن لا يكون الانفصال قطيعة أبدية». وقال لي الرئيس القدسي: «إن الوضع الحقيقي يكمن في أن مصر لا ترغب في أن تقيم علاقة ديبلوماسية من جديد معنا. وأنتم تعلمون كيف وقع الانفصال». وكانت سورية تشكو من الظروف التي سارت فيها الوحدة بينها وبين مصر وتحمِّل مصر مسؤولية تعثرها. والمعروف أن المكلف الشؤون السورية أيام الوحدة مع مصر كان هو المشير عبد الحكيم عامر وكان قليل الحضور في دمشق. وقد حكم سورية كما لو كان هو حاكمها العسكري أو المندوب السامي. ووقع الانقلاب في سورية وانفصلت عن الجمهورية العربية المتحدة وهو غائب. ووجدت مصر نفسها أمام الأمر الواقع. وكان النظام المصري حاقدا على النظام السوري الجديد فرفض الاعتراف به لأنه ـ حسب مصر ـ طعن الشرعية عندما أعلن من جانب واحد فسخ الوحدة القائمة بينهما .

ـ في ظل الوحدة التي قامت بين مصر وسورية في 22 فبراير (شباط) 1958 وانتهت في 28 سبتمبر (ايلول) 1961 اندمجت شركات اقتصادية سورية في اقتصاد مصر وتم تأميم شركات سورية خاصة. وكانت سورية ترغب في أن تأخذ مصر المبادرة لرفع التدابير التي اتخذها نظام الوحدة وكل ما يتصل بالنظام الاشتراكي لتعود سورية إلى الاقتصاد الحر. وكانت إذ ذاك دولة صناعية. وأشياء أخرى بسيطة تم علاجها في ظرف شهرين، من بينها الإفراج عن الأرصدة السورية التي بقيت في البنوك المصرية. وهذه القضايا انتهت بزيارات قمت بها بين القاهرة ودمشق حيث قابلت في أولاها الرئيس جمال عبد الناصر ثم وزير خارجية مصر آنذاك مرتين، وبعد ذلك تحول الأمر إلى لقاء سفراء في وزارة الخارجية المصرية حضره ديبلوماسيون سوريون. لكن الغريب في الأمر هو أن الذي جعل دوري هذا يفتضح ويُتهامَس به بين العموم في سورية هو أنني قدمت أوراق اعتمادي إلى الرئيس ناظم القدسي في العشرين من فبراير وأقمت احتفال عيد العرش بالسفارة يوم 3 مارس (آذار). ويوم الحفل حضر رئيس الجمهورية بنفسه إلى الحفل وجاء معه الوزراء بدون استثناء. وكنت آخر سفير التحق بمهمته بدمشق وبالتالي فأنا آخر السفراء ترتيبا في المراسم (البروتوكول) مما جعل الجميع يتساءلون عن سبب تميز سفير المغرب بهذه الميزة المتمثلة في حضور رئيس الجمهورية الذي لم يسبق له أن حضر في حفل استقبال سفراء بمناسبة أعياد بلدانهم الوطنية كما حضر معه جميع أعضاء الحكومة، بينما جرت العادة في مثل هذه الاحتفالات ألا يحضر لحفلات السفارة إلا بعض الوزراء.

وبدأت الصحافة في البحث عن أسباب حضور الرئيس القدسي، وتسرب إليها أنني أحمل أيضا وصف مفوض أو مبعوث الملك الحسن الثاني للوساطة بين دمشق والقاهرة. طبعا لم يكن أحد يعرف طبيعة الأشياء التي كنت أتوسط فيها. ولم أُدْل قط بأية تصريحات حول مهمتي غير المعلنَة، بل أحيانا سئلت من قبل بعض الصحافيين عما إذا كنت ممثل الملك المغربي ووسيطه في النزاع فنفيت ذلك حتي عن أقرب الاصدقاء ، فقد كان لي بسورية صديق حميم هو الأخ أحمد عسة وكان مدير جريدة «الرأي العام» السورية وكنت أحيانا أزوره بمكتبه بالجريدة اليومية في ساعة متأخرة من الليل لأشهد معه صدور الجريدة ولأعرف منها آخر الأنباء. وقد أصبح أحمد عسة في مابعد مغربيًا ويعمل بالديوان الملكي بالرباط . وقلت: «إنني لست إلا سفير المغرب المعتمد لدى دمشق».

ويكمل بوطالب روايته ” ـ حينما وصلت إلى دمشق لم تكن لنا بها سفارة. وكنت أول سفير معتمد لديها. فقد كان رئيس بعثتنا الذي سبقني في رتبة قائم بالأعمال. وقمت باستئجار مقر للسفارة في حي المهاجرين القريب من القصر الجمهوري. وأقمت قبل ذلك في فندق سميراميس الذي كان يقطن فيه الوزراء الذين يأتون إلى العاصمة من خارج دمشق، فكنت أسهر معهم وأصبحت بيني وبينهم صداقة ومودة. وألقيت أربع محاضرات في النادي الديبلوماسي في ظرف خمسة أشهر. وكانت الصحافة السورية تتابع نشاطاتي. وكنت أدلي بتصريحات عن القضية العربية وكانت هي همَّ السوريين الأكبر.

كنت أقوم في دمشق باتصالات واسعة وأستقبل السوريين بمختلف فصائلهم من عسكريين ومدنيين، فمائدة السفارة المغربية كانت دائما مفتوحة للصحافيين والوزراء وحتى رجال الزوايا ومشايخ الطرق. كانت لي صلة حميمية برئيس جمعية العلماء الشيخ المكي الكتاني المغربي الذي هاجر من المغرب فارا من الحماية الفرنسية وأقام بسورية. وكان يأتي خصيصا عندي لمقر السفارة مع أتباع الزاوية الكتانية وجمهرة العلماء. كما استقبلت مرارا ميشيل عفلق ومعه أنصاره من أعضاء حزب البعث. وكان لكل مقام حديث. ومن خلال تنوع اتصالاتي كنت أعرف دقائق وخبايا ما يجري في سورية. ومن الأخبار التي وصلتني أن انقلابا عسكريا سيقوم في الشهر الموالي ضد نظام الرئيس القدسي. فأرسلت هذا الخبر وتفاصيله في برقية مشفرة (مرقومة) إلى الملك الحسن الثاني. ولم أخبر الحكومة السورية بذلك رغم أنني فكرت في ذلك لكن فضلت أن لا أخوض في الشأن الذي لا يعني السفراء. وبالفعل وقع الانقلاب يوم 28 مارس 1962 بقيادة الجنرال عبد الكريم زهر الدين الذي سبق له أن حضر إلى حفل السفارة المغربية بمناسبة عيد العرش في رفقة رئيس الجمهورية.

وعندما دخلت المغرب بدعوة من الملك الحسن الثاني قضيت أسبوعا وعدت إلى دمشق قال لي جلالته بعد حدوث هذا الانقلاب: «كنت أقرأ تقريرك عن الانقلاب وتفاصيله وأنا جالس على مائدة الفطور. وعندما انتهيت من قراءته أذيعت الأخبار عن انقلاب الجنرال عبد الكريم زهر الدين». والغريب في الأمر أنني نمت ليلة الانقلاب بعد أن قضيت طرفا من الليل في صالون الفندق في دردشة مع الوزراء المقيمين في الفندق قبل أن أذهب إلى غرفتي. وإذا بباب الغرفة يُطرَق من مدير الفندق السيد عجمي الذي سلمني جهاز راديو صغير كان يبث موسيقى عسكرية. وقال لي: «ربما وقع شيء لست أدري طبيعته». وانصرف المدير وبعد خمس دقائق هاتفني من مكتبه بالفندق ليخبرني أنه سيصعد إليَّ من جديد ليكلمني. وعندما فتحت له باب غرفتي وأنا مرتد لباس النوم سرحت بعيني في ممر غرف الفندق في الطابق الذي كانت توجد فيه غرفتي فرأيت الوزراء الذين سهرت معهم في صالون الفندق لابسين قمصانا فضفاضة أو «بيجامات» ووراء كل واحد منهم جندي حاملا رشاشته ومصوِّبا إياها إلى ظهر الوزير. وقال لي عجمي: «أردت فقط أن ترى هذا المنظر لتعرف كيف تحدث الانقلابات عندنا». ولم يكن انقلاب الجنرال زهر الدين هو الأول في سورية بل سبقته انقلابات ابتدأت في مارس 1949 بانقلاب حسني الزعيم. هكذا أدركت أن الخبر الذي وصلني عن إعداد الانقلاب وبادرت بإخبار الملك الحسن الثاني به كان صحيحا.

لم تنم لي عين بقية تلك الليلة. وفي السابعة صباحا رنَّ الهاتف في غرفتي لأتلقى مكالمة من القيادة العسكرية العليا تخبرني: «أنني مدعو مع بقية السفراء العرب للحضور للقيادة العسكرية لتبليغنا أمرا هاما».

ولما وصلت إلى قيادة أركان الجيش السوري وجدت في قاعة الانتظار السفير التونسي محمد بدرة وسفير السعودية السيد الحميدي عميد السلك الديبلوماسي العربي، والتحق بنا سفير العراق، وسفير الأردن. كنا ستة أو سبعة سفراء معتمَدين ولم تستدع القيادة العسكرية القائمين بالأعمال في بعض السفارات العربية. وتحدث الجنرال زهر الدين إلينا عن أسباب الانقلاب، وكان قد أذاع في الراديو في الصباح المبكر مُرافعة قضائية نطق بها بنفسه وأدان فيها عهد الرئيس ناظم القدسي واتهم حكومته بالفساد وخروجها عن مقاصد الثورة العربية السورية. وقال لنا الجنرال: «أريد أن أخبركم أننا قررنا تغيير نظام الحكم القائم واستلَمْنا السلطة، وأن انقلابنا والحمد لله كان انقلابا أبيض ولم تُرَقْ فيه قطرة دم».

وأضاف قائلا: «إننا جمعناكم لنقول لكم إن كل شيء مر على ما يرام، وأننا ممسكون بزمام السلطة، وأن الوزراء وعلى رأسهم رئيس الجمهورية يوجدون جميعا رهن الاعتقال بسجن «المزَّة» بضواحي دمشق. ونطلب منكم أن تخبروا حكوماتكم بهذا، وأن تطلبوا منها الاعتراف بالنظام الجديد».

خلال هذه المرحلة اتصلت بالرئيس عبد الناصر مرة واحدة عند بدء مهمتي ولم أجده حاقدا على سورية. وقال لي إنه ربما كان في الوحدة المستعجَلة شيء من الارتجال، وأن الأمور لم تعالجَ بالحكمة، وأن تجربة الوحدة لم يتقدمها إعداد جيد، وأن السوريين ضغطوا عليه ليقبل الوحدة. هذا ما قاله لي الرئيس عبد الناصر بالضبط. ووجدته أخذ درسا من هذه الوحدة التي اشتبكت فيها الأيدي بينه وبين الرئيس شكري القوتلي في القصر الجمهوري بحي المهاجرين بدمشق، ووقعا عليها باستعجال وباركاها أمام الجماهير الهاتفة بالوحدة حيث أشرفا عليها من شرفة القصر. وعرف عبد الناصر أن الأمر كان يحتاج إلى روية ومزيد من الحيطة والإعداد .

وتمت الجلسة ليكمل عبد الهادي بوطالب حكاويه …

 

شاهد أيضاً

مودي حكيم

لقاء مع الجاسوس روبرت ماكسويل «1»

«كل لحظة من النور أو الظلام هى معجزة حقيقية علينا أن نستغلها».. المقولة لأحد أهم …