الرئيسية / كلمة العدد /
الغربة (70)
أيام وليالي مع «أبو لبدة »!
مودي حكيم
مودي حكيم

الغربة (70)
أيام وليالي مع «أبو لبدة »!

في رحلتي بحثت دائما عن النجاح، لم أكتف بالطرق الممهدة، تغربت، سافرت، إقتحمت القمم الصخرية الشاهقة دون تذمر، بذلت الجهد مؤمنًا إن فى كل جهد الجزاء كافى عنه وأن الآفاق الواسعة تنتظرني فى آخر الطريق. زملاء وأصدقاء منهم من قضى نحبه غرقاً في سبيل الحلم وآخر هاجر إلى جهات بعيدة ليحظوا بفرص حياة. وآخرون إختاروا الوظيفة من أجل الأمان كمن يجرفه النهر فيرضى بحفرة صغيرة بدَل السقوط في وادٍ مفتوح أو بِئْر عَمِيق، بينما إخترت أنا وأمثالي من الحالمين البقاء وسط النهر والقتال. ومع عنف شبابي سرت حسب المقولة “اننا نسير.. يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر”.

مؤمنا بنصيحة الإمام الشافعي: “تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى…وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ: تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد”. تَغَرَّبْتُ من القاهرة لبيروت ولندن وكازبلانكا.

لملمت أوراقي التى باحت بخبايا الصحافة المغربية، وما تدفق من معلومات عن مطابعها وعدت الى لندن لألتقي بالجارالله و”فوزي الموريشوسي” القادم من موريشيوس، الأمين على ماله والمنتدب من مكتبه بلندن الى المغرب لمتابعة الأمور المالية. نثرت على طاولة الإجتماع كل ما أتيت به من معلومات من أروقة كازبلانكا الإعلامية، تبث  عطر الطمائنينة لمشروع طباعة جريدة السياسة بالمغرب، مضيئًا لهم معالم الطريق.

إستقبل الجارالله ماطرحته من إقتراحات تتلخص فى أهمية إنشاء قسم لصف الأحرف”التنضيد” لندرة إمكانيات جمع أحرف اللغة العربية فى المغرب ولأهمية حروف المتون من حيث قيمتها البصرية وهدفها ليس لجذب إنتباه القارئ فقط إلى المادة المطبوعة، بقدر مهمتها فى توصيل المحتوي إلى القارئ. ويخضع إستخدام حروف المتن من الناحية التيبوغرافية لإعتبار أن تتم قراءتها بيسر، لهذا جاء إختياري لماكينات لينوتايب للصف الضوئي مع إستخدام برنامج “الناشر الصحفى” الذي أطلقته وقتها مؤسسة “ديوان للعلوم وتقنية المعلومات” لقدرته الفائقة وسهولة التعامل معه والسيطرة على عملية التصميم، معطيًا المستخدم والمصمم المحترف الأداة الفنية والتقنية السهلة والمتطورة التى تمكّنه من إنتاج أي شكل من أشكال التصميم الصحفي. أما بالنسبة لتقنية فصل الألوان للصور الملونة من سلايد أو صورة مطبوعة على Drum Scanner، فقد وقع إختياري على شركة كروسفيلد Crosfield المتميزة فى تقنية فصل ألوان الصورة المتعددة الألوان إلى أربعة ألوان أساسية CMYK بالليزر لإنتاج ألوان التشغيل الطباعي: الأزرق “السيان”والأرجواني “الماجنتا” والأصفر والأسود، على أفلام قبل نقلها  للوحات الطباعية. تقنيات طباعية من الصعب فهمها لمن لا يعمل بالطباعة حتي لو كان من أصحاب الصحف أو العاملين بها. أنصت الجارالله لأفكاري ومقترحاتي ووافق عليها، إيمانًا بقدراتي المهنية والفنية، لم يعترض أو يناقش، ترك الأمر لى وأعطاني الثقة ودعمني، ثم أعطي تعليماته لفوزي المحاسب لتيسير وتسهيل مهمتي. وبدأت مرحلة شراء الماكينات والإعداد إداريا لبناء فريق عمل صحيح متكامل يمكن الإعتماد عليه كمفتاح أساسي لعمل ناجح، إستنادًا على خبرة السنين.

لم تكن مهمة شراء الماكينات بالأمر العسير بل الأهم عملية بناء الفريق الكفؤ لكي تنجح المهمة،  فريق متكامل قادر على دعم المشروع. إخترت شاب أردني الجنسية، من الخبراء الذين وضعوا بصماتهم على ماكينات صف الحروف، سواء على مستوي التركيب والتنضيد، والتطوير لماكينات الصف الإلكتروني، واحدا من الشباب الذين يعملون معي بلندن لقيادة وتدريب فتيات وفتيان من المغرب. أما صعوبة الإختيار فقد كانت فى إختيار الفني الخبير فى المسح الضوئي للصور والرسوم لفصل وفرز ألوانها، وهى مهمة لها مهارات خاصة وخبرة عالية طويلة فى التصوير والضوء، والليزر والماسحات الضوئية، ومرشحات ونقاط شبكات اللون وخطوطها ووظائفها، وقيم الأشكال الظلية وكثافتها، وتصحيح اللون إلكترونيًا، وتحسين مستوى جودة الألوان، وخبرات أخري كثيرة، وهم قليلون، فلم أجد منهم من قبل التغرب والعمل فى الخارج.

بحثت فى الذاكرة، هداني تفكيرى لثلاثي من المهندسين خريجي كلية الفنون التطبيقية رضا وعبد الرحمن حسب الله وعزيز المصري، كانوا من الأوائل فى دراستهم ومن أول المتخصصين فى المهنة، تصيّد كفاءتهم الصديق والزميل المهندس عادل فؤاد مدير مطابع روز اليوسف فى مطلع السبعينيات. كانت المهمة من نصيب عزيز المصري الذي وافق على السفر للمغرب ليساهم معي بجهده، وبالعمل على ماكينة فصل الألوان التى تم تركيبها بالإستعانة بصديق مهندس ألماني أتي من هامبورج الى كازبلانكا لهذه المهمة، وعدت ثانية للمدينة الجميلة التي عشقتها، ومرة أخري كان رمزي صوفيا فى إنتظاري بالمطار.

إختار صوفيا للمشروع الجديد مقرا بنفس المجمع السكني روماندي لمستثمر كويتي فى المنطقة الأنيقة الراقية  Casa -Anfa، ودارت عجلة الإستعداد للإنطلاق … تم إختبار 20 شابة و شاب من المغاربة الذي يجيدون الكتابة على الآلة الكاتبة لتدريبهم على صف الأحرف اليكترونياً، قام بتدريبهم الشاب الأردني عوني القادم من لندن. أُختير منهم 12 فتي وفتاة، وعدت لطاولة الرسم لأصمم صفحات طبعة المغرب للسياسة الكويتية، وأعمل فى تناغم مع صحفي مخضرم تولي إدارة التحرير الصحفي، مع مدير التحرير مصطفي أبو لبدة. أذهلني بطاقته الكبيرة وحماسته التي لا تنطفئ جذوتها بل تزداد توهجاً كل يوم. تزاملنا فى العمل، وخبرت عن قرب مدى أخلاصه وتفانيه، لا يكّل أو يمّل، ولا يستعجل إنتهاء الساعات بقدر مايهمه إنجاز عمله علي أحسن وجه، فهو يكاد لا يرفع رأسه عن أوراقه، يقرأ ويمحص ويدقق ويدفع بما ينجز لي، في عملية سباق مع الزمن ومع الذات … ومع كل شيء.. نموذج لصحفي أمين ونزيه، صاحب كلمة صادقة، يملك أدوات الشعور بالمسؤولية. ولأننا كنا في مهمة تخطت العلاقة بيننا ساعات العمل، فما أكثر الليالي التى قضيناها معا، يحكي لي ذكرياته فى العمل الصحفي بالأردن، وأحكي له عن مغامراتي فى فضاء الإعلام، وقتالي مع أساطين الصحافة المصرية واللبنانية والإنجليزية، التي كان يستقبلها أحيانًا بدهشة وكأنها حكايات خيال علمي، رغم أنها حكاوي من أوراق الحقيقة. خلقنا معًا فريق عمل متجانس، من صحفيين مغاربة ومصريين وسودانيين، سأعرّف بهم وسأحكي عنهم مع تجربة الإصدار الجديد.

… تمت كل التجارب وأصبحنا جاهزين ليستضيف المشهد الإعلامي ذوقا آخر من الصحف يزين صدر المغرب بالإصدار الجديد.

 

شاهد أيضاً

مودي حكيم

الذكاء الاصطناعي في أحضان الصحافة !

بعد أن غزا الذكاء الاصطناعي (AI) العديد من القطاعات إن لم يكن جميعها ، و …