الرئيسية / كلمة العدد / الطريق إلى المغرب…!
مودي حكيم
مودي حكيم

الطريق إلى المغرب…!

 لم أتوقف كثيراً أمام الأحداث المتلاحقة وما أصابني من شظاياها، ولم أعيد حساب الأمس وما خسرت فيه، فالعمر حين تسقط أوراقه لن تعود مرة أخري. ومع كل ربيع جديد سوف تنبت أوراقا أخري. واذا كان الأمس ضاع، فبين يدي اليوم ..لم أنظر إلى الأوراق التي تغير لونها.. وبهتت حروفها.. وتاهت سطورها بين الألم والوحشة.. وأكتشفت أن هذه السطور ليست أجمل ما كتبت.. وأن هذه الأوراق ليست آخر ما سطرت. واذا كان اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل، فلدي الغد، لم أحزن على الأمس فهو لن يعود.

نعم تعثرت قدماي، وكدت أسقط فى حفرة من اليأس والإحباط ، ولكني خرجت منها أكثر تماسكًا وقوة. نفضَتُ عن جناحي غبارَ القلق، فسقط دون أن يحقق مآربه وغاياته، فالإرادة لاتموتُ مهما لطمَتْ عارضيها قبضة العقبات، والطائرة تعاكس الرياح فى طريقها للإنطلاق. 

لقد جمعت شتات العقل والتفكير وعزمت أن أنهي غربتي الثانية ليس لظروف العمل بل من أجل الأبناء الذين

وما أستطيع. وصلوا لمرحلة من العمر كان من الأفضل عودتهم للوطن الأم. ورغم حيرتي بين ما أري

ولأن إرادة الله فوق إرادة الكل، وأنه المتفرد بِالاِخْتِيَارِ وَالتَّدْبِير، وعليه الإتكال والتوكل فلا داعى للقلق ونحن بين أيدي الله، ولأني مؤمن بأن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، اتكلت عليه، وسلّمت أموري اليه …

أتاني من حيث لا أدري إتصال ودعوة من عميد الصحفيين الكويتيين أحمد الجارالله لزيارته فى منزله القريب من ماربل آرش بلندن على مشارف منطقة كينسينجتون جاردن التى تطل علي حدائق هايدبارك. إستقبلني فى بهو منزله، الرجل كان مربوع القامة، عريض المنكبين، لون بشرته تميل قليلا الى السمرة، سبط الشعر الأسود ذو شارب تركي ثقيل، أنيق فى ملبسه، رحب بي بابتسامة واثقة. اللقاء كان فى حضور شاب قليل الجسم أسمر البشرة من جزيرة موريشيوس يتحدث الانجليزية قدّمه لي كمحاسب ومديرًا لأعماله فى المملكة المتحدة واسمه فوزي. جلست معهم فى مضيفة الجارالله، و بعد السلام والترحيب بالقهوة العربية البيضاء، وبشهوة الصحفي الذى يطارد الخبر ويشعر بالمصدر ويحسه، ويلتقط بأنفه رائحته، وكأني مصدر إخْباَره، وجه أسئلته بشهوة إعلامية عامرة، وبتقنية حوار، ورأسه تدورُ فى فَلَك الأسئلة المترامي، بدأها كمحقق بالسؤال عن قصتي مع روبرت ماكسويل، وأخبار الحوادث بعد إغتيال صاحبها، و..و… ومحاولة لمعرفة المزيد من أخبار الصحف المهاجرة. أوقفت سيل الاسئلة بمهارة وبتقنية دفاعية بصد فرص توجيه أسئلة أخري، بتوجيه سؤالي للجارالله لمعرفة سبب رغبته للقائي، لتأتي الاجابة بقذفة مرتدة مفاجئة، معلنًا نيته فى إصدار السياسة الكويتية من المغرب، ورغبته بأن أتولي مسئولية الإصدار والإشراف على طباعتها من الدار البيضاء. ولأني عاشق لمهنة النشر، ومن صُنَّاعُ الفَرَحة  لكل إصدار جديد، أجمل صناعة فى التاريخ، صناعة النشر لكل ماهو مقروء، يحمل فى طياته العلم والثقافة والفن، محبًا لمهنة “الجورنالجية” بالمفهوم التاريخي، الذين حملوا أمانة نشر العلم والحق فى وقت كانت تعم فيه الأمية ويسود فيه القهر السياسي والظلم الإجتماعي، ومن بين هؤلاء أمين الرافعي، محمد حسين هيكل – عباس محمود العقاد – أحمد أمين – فكري اباظة – محمود عزمي

إلى آخر هؤلاء الكتاب العظماء. ولأني أعشق الورق ورائحة الحبر عطري المفضل، فرحت بالعرض. قبلت على الفور واتفقنا، وكلف الجارالله الموريشي فوزي المحاسب ومدير أعماله بالتنسيق معى وتوفير كل الإمكانيات لإنجاح المشروع، وبدأت الإعداد والإستعداد لعرض المشاركة والعمل الجديد لإصدار جريدة السياسة من المغرب.      

****

 اللقاء كان بعد أكثر من سنة بعد تعرض أحمد الجار الله إلى محاولة إغتيال، أثارت ضجة في  23 أبريل 1985، حيث قام مسلح بإطلاق النار عليه وأصيب بـ 6 رصاصات ولكنه تعافى بعد أن تم نقله إلى المستشفى.

والجار الله  81 عاماً يمتلك العديد من الآراء السياسية الصائبة، ويعتبر من الشخصيات التي إستطاعت أن تسير في طريق الصحافة ببراعة ومهنية، إستطاع من خلالها التدرج الوظيفي في المناصب الصحفية. كانت بداياته  في مجال الصحافة في عام 1963، كان شابا بدأ صحفيا بسيطا بإحدى الجرائد الكويتية في “جريدة الرأي”، واجتهد حتى تمكن من الوصول إلى أفضل المناصب حتى أنه بعد أعوام قصيرة جدا وصل إلى منصب مدير التحرير ونائب رئيس التحرير.
في عام 1965 قرر أن ينتقل إلى العمل في الحياة السياسية لأنه وجد ميولا تجاه المشاركة في الحياة السياسية وبالفعل التحق بالعمل في إحدى المجلات السياسية الكويتية وهي “مجلة السياسة الكويتية”، وشغل بها منصب رئيس التحرير، ومن خلال منصبه واجتهاده إشتهرت المجلة وحققت نجاحات غير مسبوقة وتحولت إلى واحدة من أشهر المجلات الكويتية.
إستمر الجار الله في العمل والإجتهاد داخل هذه المجلة من خلال منصبه حتى أنه تمكن في عام 1968 أن يقنع مالكها أن تتحول ملكيتها له. وتحولت هذه المجلة بعد ذلك إلى صحيفة يومية بعد أن كانت أسبوعية وأصبحت تسمى “صحيفة السياسة الكويتية”. وواصل توسعاته واجتهاده في هذه المجلة حتى أنه تمكن في عام 1977 من توسيع صحيفة السياسة الكويتية، فأصبحت تستخدم اللغة الإنجليزية، وأصدرت دار “السياسة الكويتية” ومجلة “الهدف” الأسبوعية.
كان من أبرز أعمال الجار الله التي كانت السبب الحقيقي وراء شهرته، تلك المقابلة التي تمت بينه وبين الإمام محمد البدر حميد الدين وكانت هذه المقابلة في عام 1963. وترجع أهمية هذه المقابلة إلى أن “البدر” قاد حركة مضادة، هدفها إسترجاع كرسي الحكم من الرئيس اليمني الأسبق عبدالله السلال.

والجار الله صحفي مخضرم مثير للجدال سياسيا، له ارتباطات مع جميع أنظمة الحكم في البلدان العربية المعتدلة، وترددت حوله أقاويل كثيرة لكنه نفاها جملة وتفصيلا.  

وكانت وثيقة رسمية عراقية صادرة عن جهاز مخابرات الحكم المنهار في العراق، قالت إن مرسوما جمهوريا صدر بدفع مبلغ 18 ألف دولار شهريا لصالح السيد الجار الله.

والمرسوم الرئاسي العراقي حسب الوثيقة كان بتاريخه يعود إلى العام 1981 وهو العام الثاني للحرب العراقية الإيرانية التي إصطف جميع العرب والخليجيين معا كتفا إلى كتف مع بغداد ضد طهران التي قيل أنها كانت آنذاك تحاول تصدير ما يسمى “الثورة الإسلامية إلى دول الجوار الخليجي”.

لكن رئيس تحرير صحيفة (السياسة) أحمد الجار الله رد على ما زُعم من تلقيه مبالغ من الحكم العراقي المنهار بالقول “كيف يمكن لمؤسسة مثل صحيفة السياسة ميزانيتها بمئات الملايين من الدولارات أن تقبل أن تتقاضى مبلغا زهيدا من هذا النوع من أي جهة أو من أي حكم كان؟.”.

 ****

 إتخذت ما يلزم لشد الرحال، والإنطلاق للمهمة الجديدة، لأرض الكرم والعبق الساحر.

فى طريقي للمغرب عرفت الكثير .. والكثير لأحكي عنه .. !

 

شاهد أيضاً

مودي حكيم

لقاء مع الجاسوس روبرت ماكسويل «1»

«كل لحظة من النور أو الظلام هى معجزة حقيقية علينا أن نستغلها».. المقولة لأحد أهم …